استطاع الكاتب الكبير صلاح منتصر، برشاقة أسلوبه، وجمال تعبيراته، أن يجعل موضوع البصل وعلاجه للبرد حديث كل الناس بعد ما نشره فى عموده بالأهرام منذ أيام. وحدث قبل أن أطلع على ما كتبه صلاح منتصر أن تلقيت منه مكالمة تليفونية، وفوجئت به يقول لى إنه كان يود أن يطلق علىّ لقب المنقذ فى حال نجاح الوصفة الطبية التى وصفتها له للقضاء على البرد؟! ولكنه (والكلام لايزال له) تراجع عن ذلك بعد فشل الوصفة. والقصة تبدأ عندما أصيب صلاح منتصر بأنفلونزا حادة بعد عودته من سان فرانسيسكو جعلته يلزم الفراش، ولم يحضر اجتماع الفرسان.. ونصحته بالبصل كوصفة فرعونية مجربة، ووعد بتنفيذها، ولكن حسب كلامه تناول البصل مع الفول ونام لمدة ساعتين شعر بعدها بتحسن، حتى أنه هم بالاتصال بى ليشكرنى على الوصفة السحرية، لولا أن الأنفلونزا هاجمته مرة أخرى!
وذكرت صديقى العزيز بأن الطبيب الفرعونى «عنخ رع» قدم وصفة البصل بالطريقة الصحيحة، والتى لم ينصت هو إليها ولم ينفذها بالشكل المطلوب، والوصفة باختصار: عند الإصابة بنزلات البرد والأنفلونزا يجب على المريض عمل الآتى قبل النوم مباشرة: تقطيع بصلة كبيرة أو بصلتين حجم متوسط، وغسلهما بالخل، وتقطيع ثمرة طماطم على البصل، وترك الخليط لفترة من الزمن، بعدها يقوم المريض بأكل البصل والطماطم ثم الذهاب إلى الفراش، ولا داعى لغسل الأسنان فى هذه الليلة. وحسب وصفة الطبيب «عنخ رع» فإن المريض سيستمتع بنوم عميق يقوم بعده وقد اختفت كل أعراض البرد. وفى أشد حالات الأنفلونزا الموسمية التى تصيب العظام فإن البصل مفيد لعلاج الرشح وضيق التنفس.
ما توصل إليه الطبيب المصرى القديم من فوائد عظيمة للبصل فى مقاومة الأمراض، أثبتته التجارب العلمية الحديثة، والأبحاث الطبية، لدرجة أن البصل يدخل فى تصنيع المضادات الحيوية والأدوية التى تساعد على النوم والاسترخاء. وأعتبر نفسى من المدمنين للبصل والثوم، خاصة عندما أعيش فى الصحراء للكشف عن الآثار. وأعتقد أنه لا توجد أدوية فى الدنيا توازى وصفة الفراعنة السحرية، وليس أدل على أهمية البصل من أنه ذكر فى البردية الطبية الشهيرة حوالى 13 مرة، وكان يستعمل فى تركيبات أدوية أمراض مختلفة وكفاتح للشهية وعلاج للكحة، وكذلك فى إدرار البول وتنشيط القلب. ويبدو أن البصل كان من الأكلات المهمة، حتى أننا وجدنا مومياء من العصر المتأخر وهو يمسك فى يده بصله، كى تساعده على الحياة فى العالم الآخر.
عندما كشفت عن مقابر العمال بناة الأهرام وجدت أنهم كانوا يدمنون أكل البصل والثوم والسمك المملح وشرب البوظة، أو ما نطلق عليها الجعة المصرية. وكان من عادة المصريين القدماء وضع البصل أمام أنف المولود، ونعرف أن المصريين هم الشعب الوحيد الذى لايزال يستخدم البصل لإفاقة حالات الإغماء، وقشر البصل للتخلص من التقيحات. وكلها عادات فرعونية أصيلة. وبالإضافة إلى استخدام البصل طبياً فإن له استخدامات أخرى سحرية للوقاية من الحسد ودفع العين الشريرة، وإبعاد الجن عن المكان. كان الكهنة المصريون يطوفون حول العاصمة «منف» وهم يحملون البصل لكى تصيب البركة المدينة ويدفع عنها الشر. وليس أدل على أهمية البصل عند الفراعنة أنهم ضمنوه فى قوائم القرابين، وكانت مائدة القرابين العامرة لا تخلو من أنواع البصل سواء الأخضر أو العادى. ويبدو أن الطبيب المصرى القديم قد ترك لنا وصية تقول: «لا تنسوا البصل وفوائده»!