عندما تحركت نقابة الأطباء لصيانة حقوق أعضائها في الأمن والسلامة الجسدية والكرامة الإنسانية كانت تقوم بما يجب أن تقوم به النقابة المهنية، فلهذه الدوافع وغيرها من دوافع حماية المهنة وصاحبها ومحيط تأديتها قامت النقابات المهنية في الأصل.
وبعد عقود طويلة اعتدنا فيها أن تكون النقابات مجرد واجهات تقدم الشكر للحكومة في عيد الأم، جاءت وقفة نقابة الأطباء في مواجهة اعتداء أمناء شرطة على أطباء في مستشفى المطرية التعليمي غير اعتيادية، سواء في صمود النقابة في مواجهة الحملة الأعلامية الشرسة ضد النقابة وضد الأطباء والطب من حيث المبدأ لو لزم الأمر، أو في صمود قادة النقابة أمام ضغوط متعددة أكثرها كيدي واستفزازي، لكنها في النهاية – وإن كانت وقفة غير اعتيادية بالنسبة لمستوى العمل النقابي في مصر – فهي الأصل في عمل النقابات في أي مكان في العالم.
ثم كان أن أرسلت النقابة في المدائن حاشرين فاجتمع لها من الآلاف عشرا أو ينيف.. ثم كان أعجبت الأطباء كثرتهم.. ثم كان أن وقف نقيبهم الطبيب الأستاذ الفاضل، حسين خيري، ووقفت وكيلتهم المناضلة صاحبة البأس، الدكتورة منى مينا، وألقوا بمطالبهم فإذا هي مطالب أقل بكثير مما كان الواجب على النقابة أن تطالب به.
وباستثناء مطلب حماية المستشفيات، ومطلب محاسبة أمناء الشرطة الذين تعدوا على أطباء مستشفى المطرية، كانت المطالب دعائية في ظاهرها وفي المتوقع منها.
فقد أعلنت النقابة خطة لتجريد وزير الصحة من لقب «طبيب» كعقوبة تأديبية له على أنه قال ذات يوم إن عددا كبيرا من الأطباء لا يصلحون لمزاولة المهنة، وهو قول بالتأكيد لم يكذب فيه الوزير، وهي حقيقة يعرفها الدكتور حسين خيري أكثر من غيره.
ورفضت النقابة برنامج التأهيل الإلزامي للأطباء، وهو برنامج يفترض أنه يحاول تحسين الحالة المهنية للأطباء الذين نعرف ويعرف الجميع أن بعضهم كما قال الوزير لا يناسبون المهنة، ولم تضع النقابة – وهو واجب نقابي أصيل – خطة تسد هذا القصور.
أما بقية القرارات فهي إما إجراءات لدعم الإضراب، أو بيانات لحشد الرأي العام إلى جوار قضية الأطباء، مثل رفض خصخصة القطاع العام والدعوة إلى تقديم العلاج مجانا- في المستشفيات العامة بالطبع لا في العيادات الخاصة – بهدف الضغط على الدولة أولا، وكسب ما يمكن من الجمهور الذي يستحب المجانية المطلقة على القروش التي يدفعها في العيادات الخارجية للمستشفيات العامة.
ولم أسمع من بين قرارات النقابة بنودا حقيقية مما يصلح المهنة ولا يتقاطع مع السياسة، مثل ضبط أعداد وجودة خريجي كليات الطب في مصر لتتناسب مع احتياجات السوق عددا وجودة.
لم أسمع عن مطالبة بضبط التأمين الصحي لضمان تقديم خدمة صحية حقيقية، ولم أسمع بالمطالبة بمساواة رواتب الأطباء وأعضاء المهن الطبية بالمعدلات العالمية لخفض العيادات الخاصة التي يفترس العمل بها حصة عمل الأطباء في المستشفيات العامة والمستشفيات التعليمية.
ولم تضع النقابة أي مقترحات أو خطط لتجديد البنية الصحية المتهالكة وغير الملائمة لتقديم الحد الأدنى من الخدمات الصحية.
وبالتأكيد لم تطالب النقابة بمنع النقاب الذي يخفي وجه الطبيبة أو الممرضة داخل المستشفيات، وهو مطلب كان من المفترض أن يكون من بين المطالب التي تضمن أمن المنشآت الصحية وأمن العاملين فيها، لكنه بالطبع كان سيحد من الحشود التي اجتمعت لجمعية الكرامة.
صحيح أن ما قيل عن تسييس الجمعية العمومية لنقابة الأطباء، وأن ما قيل عن وجود شخصيات سياسية من غير الأطباء بين حضور الجمعية، كان محض افتراء تضمن صورا ملفقة، إلا أن جملة مطالب الجمعية العمومية لنقابة الأطباء كانت تميل إلى المطالب السياسية لا المهنية، سواء تلك التي أعلنت أو التي أسقطت من قائمة القرارات.
وكان الأولى بالنقابة – التي أدعوها إلى رفع سقف مطالبها لا إلى خفضه – أن تحافظ على مضمون هتافات أعضائها المطالبة بالمهنية بدلا من الدخول في جولة سياسية مع الدولة لن تؤدي إلى نتائج تذكر.