x

مي عزام معًا نصنع الخبز والأغنيات مي عزام السبت 13-02-2016 22:35


يأتينا عيد الحب «فالنتين داي» ونحن غارقون في الأحمر، لون الدماء المصرية التي أصبحت خبرًا يوميًّا عاديًّا، حوادث وجرائم وإرهاب، ماذا حدث للشعب الذي خدع العالم على مدار آلاف السنين بسلميته وصبره!!، من أين أتى كل هذا العنف والتعصب والتشكك؟.
كم أشتاق للحب وأغنياته، أشعر أنه غاضب منا، لا يريد أن يفرد أجنحته الرقيقة فوق سمائنا، هل يمكن للحب أن يهجرنا أم أنه خائف مثلنا ومختبئ في الصدور ينتظر أن نفتش عنه؟، سألوا أعرابية يومًا عن الحب فقالت: «جل والله على أن يُرى، وخفي عن أبصار الورى، فهو في الصدور كامن ككمون النار في الحجر، إن قدحته أورى وإن تركته توارى». الحب موجود.. محتاج مجهود.
من قديم الزمان والكل يحاول أن يفتش عن الحب، ويفسره تارة بالأسطورة وتارة بتأمل أحوال العباد.
في محاورات سقراط الشهيرة، يتحدث أرستوفان عن أسطورة الإنسان المدور التي يفسر بها التجاذب العاطفي بين الرجل والمرأة وأطواره وأسراره، يحكي أرستوفان أن الإنسان في عصوره السحيقة لم يكُن كما نعهده اليوم من ذكر وأنثى، وإنما كان هناك نوع سابق لهذين النوعين، مخلوق مدور مكون من ذكر وأنثى معًا، وكان لهذا المخلوق ظهر مستدير، مزدوج الأطراف له وجهان ركبا على عنق مستدير وكان مشيه دحرجة، هذا الكائن كان متمردًا على الآلهة متطلعًا لأسرارها، مهاجمًا لها مستغنيًا عنها. غضبت الآلهة وقرر زيوس كبيرها أن يؤدب هذا الكائن فشطره نصفين حتى يصبح أكثر ضعفًا وأقل حيلة. وبعد شطر الكائن المدور، صار كل نصف يتوق لنصفه الآخر، حتى يكتمل، دونه يشعر بالنقصان والاحتياج ومعه يشعر أنه يملك الدنيا وما فيها.
الفقيه الأندلسي الرقيق ابن حزم كان له في الحب تجارب وملاحظات، دونها في كتابه الشهير «طوق الحمامة» الذي يقول فيه: لقد اختلف الناس في ماهية الحب وقالوا وأطالوا والذي أذهب إليه أنه اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة في هذه الخليقة في أصل عنصرها الرفيع.
ويؤكد ابن الجوزي على حديثه فيقول: وقد ذكر بعض الحكماء أن العشق لا يقع إلا بالمجانسة وأنه يضعف ويقوى قدر التشاكل، واستدل على ذلك بحديث الرسول صلعم: الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منا ائتلف وما تنافر منها اختلف. وأضاف: وقد كانت الأرواح موجودة قبل الأجسام فمال الجنس إلى الجنس، فلما افترقت في الأجسام بقي في كل نفس حب ما كان مقاربًا لها.
الاقتراب والاغتراب، الحضور والفقدان، الغربة والتوحد، النقص والاكتمال، الإنسان مدفوع للحب ليصبح أفضل، الانفتاح على الآخر يكمل نقصه ويبعد عنه شبح العزلة، معه يصبح واحدًا صحيحًا وليس شظايا كونية في جسد فانٍ، ولعل ذلك ما أراد عاشق أن يعبر عنه حين قال: أنا منك وأنت مني ونحن من بعضنا مجدول، يقولون هجرتني ولا يعرفون أني أسكنك، إن بت يومًا بدوني فلأنك بداخلي تكون.
عندما نتحدث عن الحب، نتحدث عن هبة ربانية، المشاعر التي ليس لنا فيها إرادة ولا قدرة، والتي قال عنها العقاد: ثلاثة أشياء ليست من اختيارنا الميلاد والحب والموت.
يذكرسقراط أسطورة عن كيف ولد الحب، تفسر الكثير من تناقضات الحب، يقول: ليلة مولد أفروديت، أقامت الآلهة حفلًا كبيرًا بهذه المناسبة حضرها بوروس (معناه الثراء)، بعد العشاء رأت بنيا (معناها الفقر) تلك المأدبة فجاءت تستجدي، وكان بوروس قد ثمل ونام في حديقة زيوس، ولمحته بنيا فشاءت أن ترزق منه بطفل. ونشأ من تزاوجهما إيروس إله الحب، ولأن حمل بنيا جاء ليلة مولد أفروديت فقد جاء إيروس محبًّا للجمال، ونظرًا لأنه كان ثمرة لتزاوج الثراء بالفقر، فقد ورث عن أمه الحاجة والحيلة والغواية والعوز وعن أبيه العطاء والسخاء، ومن امتزاج الأضداد وُلد الحب....
ما أجمله الحب.. أجمل حب:
حبيبان نحن، إلى أن ينام القمر
ونعلم أن العناق، وأن القبل
طعام ليالي الغزل
وأن الصباح ينادي خطاي لكي تستمرّ
على الدرب يوما جديداً!
صديقان نحن، فسيري بقربي كفًّا بكف
معا نصنع الخبز والأغنيات
محمود درويش
[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية