x

أسامة غريب نظرية في الحياة أسامة غريب الخميس 11-02-2016 21:26


لى صديق يرى أن الإنسان الذي لا يعمل هو الإنسان السعيد، وأن اضطرار الإنسان للخروج للعمل هو أحد أسباب تعاسة البشر، خصوصاً لو كان هذا العمل في واحد من البلدان التي تخاصمها الرحمة ولا تشرق عليها شمس الله من فرط ظلم أهلها. من الواضح أن صديقى هذا مرّ بتجربة سيئة في العمل جعلته ساخطاً، ليس على وظيفته فقط لكن على فكرة العمل ذاتها، ولهذا السبب فلا شىء يضايقه قدر إعلان السادة الذين خرجوا إلى المعاش أنهم يشعرون بالملل ولا يرون لحياتهم معنى بدون الشغل الذي اعتادوا عليه.. هو ينظر إلى هؤلاء بحسبانهم نوعا رخيصا من العبيد الذي اعتاد السخرة والإهانة وتلقى الأوامر من الفاسدين، ويعتقد أن الواحد من هؤلاء لو حَسُن قلبه ونَظُفت سريرته لما شعر بالحنين إلى أيام الذل والهوان، إذ ما الذي تحمله الوظيفة في البلاد التعيسة سوى المسخرة وقلة القيمة؟ ولو أنك سألت صديقى هذا عن أكل العيش، وكيف يكون إذا صرنا جميعاً «عواطلية» فإنه يقول: أنا لا أدعو الجميع إلى نبذ العمل، وإنما دعوتى هذه تخص الأحرار الذين يشعرون بغربة وبرودة في أماكن العمل مثلما كنت أشعر، أما باقى الأنواع فالذل يليق بهم لأن سعادتهم الحقيقية تكون في الإغضاء والخضوع.. ويكمل صديقى: ما أود قوله للأحرار أنه إذا كان ليس من العمل بد لتغطية مصاريف الحياة فالأفضل أن يعمل الإنسان عند نفسه، حتى لو جلس على الرصيف يبيع ذرة مشوية. ولا تتوقف تعاليم هذا الرجل عند هذا الحد، لكن يبدو أن لديه نظرية مكتملة يبغى من خلالها انتشال الأحرار مما يسميه المستنقع الوظيفى، حيث العلاقات بين البشر زائفة والضحكات متكلفة ومغتصبة، وحيث الأشياء لا تسمى بأسمائها الحقيقية.. هناك على حد قوله لا يكف الناس عن خوزقة بعضهم بعضاً، ونثر قشر الموز في طريق بعضهم البعض، والكيد والدس والوقيعة والغيبة والنميمة والافتراء، وسائر الموبقات التي يغوص فيها الناس للفوز بعلاوة أو مأمورية أو ترقية. إن الوظيفة باختصار في عُرف هذا الرجل هي الطريق الأسهل لدخول جهنم في الآخرة، من خلال إيذاء عباد الله من الزملاء والمتعاملين، والأعجب على حد قوله أن الموظفين يفعلون هذا بينما يواظبون على الصلاة في مواعيدها، وكأن الله هو المدير الفاسد الذي ينافقونه!.

وما الحل يا رجل بالنسبة لمن لا يستطيعون نبذ الوظيفة لأسباب يطول شرحها؟.. هنا يأتى صديقى بحل يراه صيغة وسطاً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.. يقول: الحل هو أن تجعل الحكومة الخروج للمعاش في سن الخمسين، لأنه عند هذه السن تكون الحالة الصحية في العادة لاتزال معقولة، وبالتالى فإن الفرصة تكون مواتية لمن أراد أن يعوض ما فات، وأن يتفرغ للثقافة والمسرح والسينما والحفلات الموسيقية، وكذلك بالنسبة لمن أراد أن يتدين أكثر ويذهب للعمرة والحج، وأيضاً بالنسبة لمن أراد أن يعيش حياة الرذيلة فإن الأوان لا يكون قد فات وقد تتحمل معدته الخمر الرخيصة، وتتحمل رُكبه ومفاصله تبعات الفسوق بأنواعه!.

هذه نظرية الرجل.. رأيت أن أعرضها عليكم وأنتم أحرار!.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية