x

المفكر اللبنانى جورج قرم: «الربيع العربي» حلقة ثورية لم تكتمل (حوار)

الأربعاء 10-02-2016 20:36 | كتب: رضا غُنيم |
المفكر اللبناني جورج قرم المفكر اللبناني جورج قرم تصوير : اخبار

حضر المفكر اللبناني جورج قرم، المولود في محافظة الإسكندرية، إلى القاهرة، الأسبوع الماضي، بعد غياب فترة طويلة، وشارك في لقاء فكري بمعرض الكتاب، واستعرض جزء من دراساته التي تحاول فهم العالمين العربي والغربي وإشكالياتهما.

«المصري اليوم»، حاورت «قرم» في أحد الفنادق الكبرى بالقاهرة، تحدث عن «الربيع العربي»، والقوى التي أجهضته، والعوامل الكامنة وراء توظيف الدين في السياسة بعد الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وعن ضرورة إنشاء ميثاق علماني عالمي، للحفاظ على المجتمعات من التآكل.

وإلى نص الحوار:

- توقعت في كتابك «انفجار المشرق العربي» الصادر 1996 باندلاع الربيع العربي، لكن البعض يصفه بـ«المؤامرة».

بداية.. أنا ضد استخدام مصطلح «الربيع»، لأنه مفهوم مستورد من الإعلام الأوروبي والأمريكي، والذي يعني أنه لا بدّ من خريف بعد الربيع، وأرفض أيضًا وصف ما حدث في بلدان عربية مثل مصر وتونس وليبيا واليمن بـ«الثورات»، ما حدث «انتفاضات» شعبية عظيمة لم تصل مرحلة «الثورات»، لأن القوى المحتجة لم تكن تملك برنامجًا ثوريًا شاملًا، ولا أتبنى طرح «المؤامرة» كما يحلو للبعض، لأنه لا يمكن تحريك الجماهير بكل هذه الكثافة بمؤامرة، التظاهرات شاركت فيها جميع الفئات العمرية، الفئة العليا رفعت مطلبًا سياسيًا «الحرية»، والفئات الفقيرة التي تعاني التهميش والحرمان رفعت مطلبًا اجتماعيا واقتصاديًا «التوزيع العادل للثروة، ومكافحة الفساد»، الثروات الوطنية في نظامي زين العابدين بن علي في تونس، وحسني مبارك في مصر، على سبيل المثال، تركّزت في يد عدد قليل من رجال الأعمال المقرّبين من الحاكم، وعطلّت إمكانية إحداث التنمية الشاملة.

- تحدثت في مقال سابق عن وجود ثورة مضادة أجهضت تلك الانتفاضات.. من يقودها؟

عقب سقوط الأنظمة العربية القمعية، نظمت دوائر الحلف الأطلسي (القوى الغربية الكبيرة وأمريكا) بالتعاون مع أنظمة عربية تدعم تيار الإسلام السياسي، ثورة مضادة، بجانب بعض القوى الرجعية في الداخل التي ليس لديها أي مصلحة في التغيير، والمُعادية للحرية والحداثة، فالقوى الغربية تخوفت على مصالحها الإستراتيجية في المنطقة، وهذا يذكّرني بما حدث في الخمسينات، وعهد حركات التحرر الوطني وتأميم قناة السويس في مصر عام 1956، والانقلابات الجمهورية في العراق عام ،1958 واليمن عام 1962، إذ لعبت المملكة العربية السعودية بالتعاون مع حركات الإسلام السياسي داخلياً على صد المدّ الثوري الجماهيري العربي، واليوم يجرى تفكيك المجتمعات العربية بشكل دراماتيكي مثلما يحدث في سوريا والعراق واليمن، تحت وطأة التدخلات الخارجية وفروعها الداخلية، وفي البحرين رأينا السعودية ماذا فعلت؟، لكن هناك حلقة ثورية انفتحت في العالم العربي، وستأخذ وقتًا طويلًا كي تكتمل.

- الشعب السوري ينام في العراء.. ما الحل في دمشق؟

الوضع السوري هو وضع مأساوي من كل الجوانب الإنسانية والمادية، فالأراضي السورية أصبحت تشهد حرباً كونية، هدفها خلق مجتمع دولي متعدد الأقطاب، وعدم إتاحة الفرصة للقطب الأمريكي وحلفائه الإقليميين فقط للسيطرة، ولا أجد حلاً يلوح في الأفق.

- وماذا عن اليمن؟

السعودية تقصف اليمن بوحشية، ولم أر نظام عربي فعل من قبل ما تفعله الرياض في اليمن، قصف وحشي، وتدمير كامل، ممارسات لا تختلف عن ممارسات الاحتلال في فلسطين!، هذا القصف الجوي الذي يتعرض له اليمن يذكّرني بالقصف الجوي الذي تعرّض له لبنان واللبنانيون من قبل الجيش الإسرائيلي ما بين 1973 وعام 2000، ثم مجدداً عام 2006.

- هل سيؤجل الإرهاب المنتشر في المنطقة استكمال الانتفاضات العربية؟

بكل تأكيد.. منذ سنوات تخوفت الشعوب العربية مما جرى في الحرب الأهلية اللبنانية، وكان الخيار هو البقاء تحت وطأة الأنظمة الاستبدادية، وكان هناك أيضًا سيناريو الجزائر في التسعينات، والآن أمامهم سوريا والعراق.. الحلقة الثورية المقبلة ستتأخر قليلًا.

البعض يُحمّل الأنظمة العربية الاستبدادية المسؤولية عن ظهور تنظيمات إرهابية مثل «داعش».. ما رأيك؟

بشكل عام، الإسلام السياسي كعقيدة لا يقل استبدادًا عن الأنظمة، بل يتفوق عليها في الاستبداد، لكن سنعود للوراء قليلًا، وتحديدًا أيام الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، حيث جرى تدريب العشرات من الشباب العربي للجهاد في أفغانستان ضد الجيش السوفيتي، وكانوا بمثابة جيشًا احتياطيًا لأمريكا التي هُزم جيشها في فيتنام، ثم بعد ذلك انتقل الجهاد إلى البوسنة، والشيشان، والآن في سوريا والعراق، ما حدث هو تكوين جيش إسلامي عابر للقوميات توظفه أمريكا والسعودية وباكستان لخدمة مصالحها.

- كيف ترى الصراع «السعودي - الإيراني»؟

هو صراع من أجل السيطرة على المنطقة، وليس صراعًا دينيًا مذهبياً كما تصوره الآلة الإعلامية الغربية والعربية، عندما كان الشاه على رأس الدولة في إيران لم تكن سياسته مختلفة عن تلك التي ينتهجها النظام القائم من حيث تأكيد أهمية النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، إلا فيما يختص الموقف المؤيد لتحرير فلسطين، ولم يتحدث أحد في حينه عن صراع بين السنة والشيعة، السياسة الغربية تتبع خط «السنة ضد الشيعة»، ومصر يمكنها تهدئة الأوضاع عن طريق التوسط بين الرياض وطهران، لذلك فمن الضروري إقامة علاقات بين مصر وإيران، ولا أعرف لماذا لا تريد القاهرة إقامة علاقة مع طهران؟!.

- تتحدث دومًا في كتاباتك عن «ميثاق علماني» لحل قضايا المنطقة، لكن هناك طرح بضرورة إدماج الدين في الحياة الاجتماعية والسياسية بسبب روحانية الشعوب العربية وتدينها.

الحديث عن تدين الشعوب العربية غير صحيح، وتصوير العقل العربي على أنه عقل «لاهوتي» خرافة، نحن تناسيّنا أننا شعب عربي يعشق الشعر والرواية والموسيقى والصور، السعودية هي من صدرت نظرة راديكالية للإسلام، وبسبب الوهابية أصبح الإسلام مشوّهًا في العالم كله، المملكة سبب رئيسي في إغلاق باب الاجتهاد، وإغلاق مشروع «الإسلام التنويري» الذي بدأ على أيدي جمال الأفغاني، ومحمد عبده، وعلي عبد الرازق، وطه حسين، نحن الآن اختصرنا العقل الإسلامي في سيد قطب، وابن تيمية، الشباب العربي يجهل الآن تراثه، وبات الفكر التنويري ملاحقًا، هذا كله بسبب التأثير السعودي الوهابي، ورغبة القوى الغربية في إعادة أسلمة المجتمعات العربية، الولايات المتحدة تحالفت مع الممالك العربية التي كانت تخاف القومية العربية، وأنفقت أموالًا طائلة للقضاء على تراث النهضة العربية، لذلك أنا أقول يا علمانيو العالم اتحدوا، لأن المجتمعات بدأت تتآكل وتتفكك باسم الدين، الوطن العربي تحديدًا أصبح أسيرًا لأجواء دينية ومذهبية خاصة بين دولتي السعودية وإيران.

- وأين المثقفون العرب الآن؟

العديد من المثقفون العرب الآن يكتفون بالإطلاع على الآلة الإعلامية الأوروبية والأمريكية، ويظهرون في الفضائيات ليتحدثوا عن ما يتحدث فيه الغرب، مسؤولية المثقف ليست التحليلات والدخول في لعبة السياسة المحلية والإقليمية والنقل عن الآخرين، بل زيادة معارف الأمة وفق نظام إدراكي لمجريات العالم ووضع العرب، من ناحية أخرى ألوم على بعض المثقفين الذي ساهموا في تعطيل مشروع النهضة العربية بالتحالف مع حركة الإخوان المسلمين كما حدث بمصر، وهناك أيضًا مثقفين غيّروا مواقفهم تغييرًا جذريًا، بعض الماركسيين -دون ذكر أسماء- تركوا معتقداتهم ليتحولوا الى معتنقي آراء المحافظين الجدد في الولايات المتحدة وتبنّي مبدأ توظيف الدين في السياسة وخاصة في السياسة الدولية.

- رفضت في كتابك «شرق وغرب: الشرخ الأسطوري» عام 2003 ثنائية «الغرب» و«الشرق».. فهل تغيّر مفهومك؟

دراساتي قائمة على تفكيك المقولات المدّمرة «الشرق» و«الغرب»، ونحن كعرب يجب علينا أن نخرج من هذه الأطروحات، أنا ضد مصطلح «حرب الحضارات» الذي ساقه صامويل هنتنجتون، علينا أن ننظر إلى واقعنا الراهن، وأن نستفيد من تجارب الصين واليابان والهند، تلك الدول تعرضت للاستعمار أيضًا مثلنا، لا زالت الانقسامات في الوطن العربي تتزايد، بينما نشاهد أمريكا وأوروبا تجددان نفسهما وأساليبها، ويستقطبا العديد من حكام العرب إلى جانبهما، ويعملان على تغذية الفتن في المنطقة، أما في الوطن العربي وبالرغم من الثروات والخيرات الاقتصادية التي نتمتع بها، فالانقسامات تتزايد، ويعمل العديد من الحكام العرب على تغذية الفتن في المنطقة، بدلاً من المساهمة في إعادة السلام والطمأنينة الى ديارنا العربية والعمل من أجل تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة تؤمّن حياة كريمة لكل مواطن عربي واستعمال القدرات العسكرية حصرياً لإعادة الحقوق المسلوبة للشعب الفلسطيني.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية