ما هو الشعور الذى سيجتاحك يا مصرى إن عَلمِت أن الأهرامات إحدى عجائب الدنيا والرمز الأكثر شهرة لبلدك تُسرق أحجارها وتباع؟ هل هو الشعور بالعار؟ بالحزن؟ بالقلق؟ باللاجدوى؟ بكل ذلك بالتأكيد، ففى منطقة من أشهر مناطق العالم يقول الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار إنها مراقبة كلها بالكاميرات وتحرسها شرطة السياحة والآثار ولها مدير عام اسمه مدير عام منطقة آثار الهرم له مكتب وموظفون وعمّال وهيلمان، ومع كل ذلك وفى وضح النهار تتم عمليات البيع والشراء بالمصرى وبالدولار وباليورو.
وعلينا أن نصدّق أنها ـ كما قيل ـ من الأحجار المتناثرة، أى كَسْر الحجارة حول الأهرامات وليست من الأهرامات ذاتها، وذلك على اعتبار أن المشترين أو بمعنى آخر اللصوص من الأجانب والمصريين سيقنعون بتسّلمها بعيدًا عن الموقع ولن يتمسكوا باقتطاعها أمامهم من جسم الأهرامات ذاتها. النصابون يفهمون بعضهم البعض جيدًا، أحجار الأهرامات ذاتها هى الهدف وهى التى تستحق الثمن.
أُصبت بالذهول وأنا أتابع تفاصيل ذلك الفيديو الذى كشف عن هذه الفضيحة أو لنقُل عن هذه المأساة، الكثيرون على استعداد للبيع ويسألونك عن مطلبك: هل تريد أحجارًا من الجرانيت أم من الألباستر أم من الحجر؟ وكله بثمنه، والحساب لن نختلف عليه المهم أن تشترى، يُقسم البائع: عليّه الطلاق ما باخد بالمصرى، يُفضل العملة الصعبة لكنه لم يكن لديه مانع من البيع اليوم بالعملة المحلية. يسأل: هذه قطعة جيدة أم تريدها من قاعدة الهرم ذاته؟ إذن فلنذهب إلى القاعدة. يقول للزبون: خدها قطعة كبيرة أفضل علشان يكسَّرها براحته ـ أى المشترى الأجنبى الذى ستصل إليه القطعة ـ ولماذا تأخذ قطعة أو اثنتين خُدلك ثلاثة أربعة..... يا خبر أسود. كل ذلك يدور فى غفلة من المسؤولين عن الآثار والأمن بالمنطقة.
ونأتى للأكثر سوادًا، فبعدما تتم عملية السرقة ويتأهب الجميع لدسّ الأحجار فى حقيبة يسخر البائع من توتر المشترين، يقول وإنت طالع ما حدش حايسألك إنت طالع منين أو رايح فين! كلماته تدُل على أن عملية سرقة أحجار الأهرامات عادية ومتكررة لا يراقبهم أحد أو يوقفهم أحد. عار وإهانة وإهمال متكرر.
وقد طمأننا السيد أمين عام المجلس الأعلى للآثار بقوله: إن السائح المثقف لن يشترى أحجار الهرم، أى أن الدهماء والجهلة هم الذين سيشترونها فقط، كما لو أن المشكلة هنا هى نوع المشترى ومستواه الثقافى، هو لص فى النهاية يُدمر آثارنا ويشتريها ليبيعها بأضعاف ما دفع فيها، وكل السرقات التى تمت للآثار المصرية على مدار التاريخ لم تكُن إلا بغرض المال فى المقام الأول ثم تتعدد الأغراض.
أما السيد مدير منطقة الأهرامات الأثرية فقد أكد أن جميع العاملين بالمنطقة يتم تفتيشهم بدقة من قبل شرطة السياحة والآثار وأنه لا يسُمح بإدخال أدوات حادة أو معدنية تمكّنهم من تكسير حجارة الأهرامات. فإن كان التفتيش والمراقبة يتسمان بمثل هذه الدقة فكيف تمت وتتم تلك السرقات؟
الكل ينفض يده من المسؤولية دون أن نسمع اعترافًا بالخطأ وبالتقصير، هل سيظل الحال على ما هو عليه يتآكل الهرم وبعده أبوالهول؟ عار ما بعده عار.