x

مكاوي سعيد الحلاقة فى رؤوس اليتامى مكاوي سعيد الإثنين 08-02-2016 21:04


هناك مثل شعبى جميل هو «يتعلم الزيانة فى رؤوس اليتامى»، والزيانة هى الحلاقة، وفيما مضى كان يطلق على «الحلاق» لقب المزيّن، وهو لقب أشمل وأعم، لأنه لا يقوم بقص الشعر فقط ولكن بأعمال التجميل كافة، ومعنى المثل أن الذى لا ظهر له ولا سند لا يأبه له الناس، وليتهم يكتفون بذلك بل يجعلونه كفئران التجارب، ويستخدمون جسده كحقل تجارب، فيما مضى كانوا يتركون الضحية وفى رأسه بعض الندوب والجروح التى سرعان ما تندمل، الآن للأسف نسمع عن عصابات كبيرة تخطف أولاد الشوارع كى يبيعوهم لتجار بيع الأعضاء، وهم يبدأون بالفقراء الذين بلا سند، لكن لن ينتهوا هكذا وسيتطورون ليخطفوا من كل الفئات، فالغنى كالفقير، ليس آمناً تماماً، فلا تظن أن هناك طبقة تعصمك. لذا يجب التكاتف للقضاء على هذه المشكلة. والآن وجب إلقاء نظرة على مهنة الحلاقة فى أوائل القرن العشرين حتى ستينياته تقريباً من واقع كتاب طريف وجميل اسمه «حرافيش القاهرة» للأستاذ عبدالمنعم شميس.. بالنسبة لدكاكينهم وحوانيتهم.. كانت تتميز بالنظافة، وعلى الباب ستارة من الخرز الملون، وبداخل المحل عدد كبير من المرايا الثمينة، وبه كرسى واحد من كراسى المزينين ذات المسند العلوى الذى ترتكز عليه مؤخرة الرقبة، ويساعد المزين صبى كل وظيفته أن يمسك بيده منشة من الخوص يهش بها الذباب إذا حاول الاقتراب من وجه الزبون، هذا فى الشتاء، وفى الصيف كان يستبدلها بمروحة من الخوص أيضًا ليهوّى بها على وجه الزبون. والمزيّن كان يُلقب بـ«الأسطى»، وكانت الألقاب المتداولة آنذاك هى الشيخ والمعلم والأسطى، ثم بدأ بعض أصحاب الحرف والتجار يفاخرون بلقب الحاج، وهذا اللقب كان يستلزم وثيقة من شريف مكة تشهد بأنه أدى شعائر الحج. أحياناً كان يُستدعى المزيّن إلى البيوت لحلاقة رؤوس وذقون الباشوات والتجار المتيسرين والمرضى، فكان المزيّن يذهب إليهم فى الصباح الباكر قبل فتح دكانه، وهو يعتلى حماره ويضع أدواته فى خُرج على ظهر الحمار، وهذه الأدوات كانت تُوضع فى حقيبة جلدية منفوخة كانوا يطلقون عليها الشنطة المنفاخ، وكان يحضر معه أيضاً طستاً من النحاس له فتحة على شكل نصف دائرة يضعها المزيّن على رقبة الزبون، والطست تحت رأس الزبون الذى يمسكه المزيّن بكلتا يديه حتى إذا ما اشتغل بذقن الزبون يلقى بالصابون بداخل الطست، وبعد الحلاقة تقوم الخادمة بغسل الطست وتجففه وتلمعه بينما المزيّن يفطر أو يحتسى القهوة.

كان هناك بعض المزينين تخصصهم ختان الأطفال، ويتحركون بين الموالد الدينية حيث يؤجرون دكاناً لمدة المولد، ويضعون أدواتهم بداخل الدكان ويقيمون على بابه ستارة بيضاء كبيرة لتستر من بالداخل، وكانوا لا يتقاضون أجراً من الفقراء ولا يحددون أجراً للأغنياء، وكان الأغنياء يمنحونهم أجوراً تناسب وجاهتهم الاجتماعية وأسماء عائلاتهم، ولأنهم يعلمون أن المزيّن لا يأخذ أجراً من الفقراء كانوا يمنحونه بسخاء تعويضاً له. وكان هناك أيضاً مجموعة من المزينين لا يستطيعون إيجار الدكاكين فكانوا يختارون شجرة من الأشجار الضخمة المسماة بأم الشعور ويمارسون عملهم، والمؤلف «عبدالمنعم شميس» رأى أحدهم فى نهاية الستينيات تحت إحدى الأشجار الباسقة عند كوبرى الملك الصالح، والطريف أننى رأيت أحدهم أيضاً فى نهاية الثمانينيات.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية