x

عزت القمحاوي المعركة السياسية فى مصر.. من صراع الحدود إلى صراع الوجود! عزت القمحاوي الإثنين 08-02-2016 21:14


بين اعتداء أمناء الشرطة على أطباء مستشفى المطرية ومقتل الباحث الإيطالى كانت وقفة ألتراس أهلاوى فى ذكرى مذبحة بورسعيد، والمكالمة التليفونية من الرئيس السيسى لبرنامج تليفزيونى أقر فيها بأن الدولة لم تنجح فى احتواء الشباب حتى الآن، وأنه يطلب من شباب الألتراس المشاركة فى لجنة للاطلاع على تحقيقات المذبحة «فقد تكون هناك معلومات اختفت أو أخفيت». ثم كانت المفاجأة فى تصريحه عندما قال بصراحة إننا نعيش فى «أشلاء دولة».

هذا الوعى بفداحة الواقع يضع على عاتق السيسى شخصيًا مسؤولية رتق الأشلاء وتطهير الجراح. لكن الجراح لن تتطهر مع المزيد من نخسها، ولن نتمكن من جمع الأشلاء إلا بعد إزالة التباسين أساسيين.

الالتباس الأول حول مفهوم «الشباب» الذى يأتى بصيغة «الاحتواء» فى مفهوم السيسى وبصيغة «الحرب» فى مفهوم الأمنعلام. والحقيقة أن كلمة الشباب تفتقد المعنى بالمطلق. الصيغة الرحيمة تضع تصورًا للصراع وكأنه مجرد سوء فهم بين مجتمع الناضجين المنسجم وبين فئة الشباب التى تعانى من حماس وربما رعونة بحكم حداثة السن، وفى صيغة الأمنعلام؛ فإن مفهوم الشباب ينحصر فى الاشتراكيين الثوريين والألتراس وحركة 6 إبريل وهذه الحركات معًا مجرد قلة عميلة ومخربة!

والحقيقة أن المجتمع ليس منقسمًا بهذه الصورة، ولن تحل مشاكله بمجرد الطبطبة على كل الشباب أو فرم فئات معينة من الشباب؛ فالصراع الاجتماعى الذى لم يُحل هو بين أغلبية من كل الأعمار لم تحصل على الحد الأدنى من الأمان والحرية والكرامة وبين قلة تمتلك الثروة وتتحالف مع مفاصل الإدارة التى لم تتغير.

الالتباس الثانى هو إلقاء المسؤولية فى ضعضعة الدولة على أعمال ارتكبها السلف غير الصالح فى الماضى. وهذا الماضى يتسع فى خطاب السيسى ليشمل مبارك، حتى لو بإشارة غير مباشرة، ويضيق فى خطاب الأمنعلام ليلقى بكل الخطايا على السنة اليتيمة التى حكم فيها الإخوان. والمؤسف أن أعمال السلف مستمرة بوتيرة أعلى، فحادث إهانة الأطباء متكرر، ومقتل الباحث الإيطالى بملابساته مجرد نموذج على وجود من لا يكترث بصورة مصر لدى العالم ولا يكترث باقتصادها.

عدم معاقبة الشرطى الذى يخرج على القانون يبدو مخيفًا، لأنه يبدو إقرارًا بخصخصة عنف الدولة لصالح فرد الشرطة، وهذا ينقل الدولة إلى موقع ووصف آخر. وفى حادث المطرية اعتدى المتهمان على الأطباء وعلى جوهر العدالة فى الآن ذاته؛ لأن أمين الشرطة أراد أن يثبت تعرضه لإصابات غير حقيقية.

وفى الحادث المؤسف الآخر ـ ودون استباق التحقيق الذى يشارك فيه الإيطاليون ـ كان التراخى عن إصدار أية بيانات بين اختفاء الشاب فى 25 يناير وظهور جثته 4 فبراير يبدو غير طبيعى فى دولة تحاول لملمة أشلائها.

فى الحالتين هناك عدم اكتراث لا بالصورة فى الداخل ولا فى الخارج. وكل المطلوب هو العودة بالزمن إلى 24 يناير 2011. لكن الحقيقة أن هذا المسعى غير العقلانى يأخذنا إلى وضع أسوأ؛ فالصراع فى عهد مبارك كان صراعًا على الحدود: حدود حرية المعارضة، حدود القمع الذى تمارسه الدولة، وحدود الاستجابة للمطالب الفئوية. الآن هناك عنف تمارسه الدولة بعصبية تؤكد أن المعركة أصبحت صراعًا على الوجود: إما أنتم أو نحن. وهذه الصيغة شديدة الخطورة على وجود الدولة. وفى حالة انهيارها لا قدر الله فلا وجود لمنتصر ومغلوب.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية