كل ذلك الشحن العاطفى انتظارًا ليوم 25 يناير هل كان مقصودًا؟
هل كان الأمل فى تكرار العرض الثورى حقيقيًا لدى الآملين، وهل كان الخوف من ذلك التكرار حقيقيًا لدى الخائفين؟
هل أراد عقل ما، يفترض فى نفسه ذكاءً مفرطًا، أن يستثمر هذا الترقب، ويصل بالتوتر إلى مداه انتظارًا، حتى إذا مر اليوم دون أن يقع ذلك الحدث يكون ذلك برهانًا على الاستقرار، وربما الرضا الشعبى التام عن الأوضاع القائمة؟
أيًا كان الجواب؛ فإن ذلك الانتظار المضنى ليوم 25 يناير هو مجرد عمل أخرق لا يمكن أن يشمل الذين يفهمون حركة التاريخ بالعقل ويعرفون أن تكرار التاريخ لنفسه لا يتم طبقًا لتوقيت محدد بهذا الشكل الدقيق الذى لا تلتزم به حتى القطارات والطائرات المصرية!
كاد الانتظار يقتصر على السلطة والإخوان؛ الفصيل المشارك فى السلطة حتى 25 يناير، والثائر الكذوب المستأثر بالسلطة بعد 25 يناير حتى 30 يونيو. راهن الإخوان على اندلاع الثورة لمجرد التشفى والثأر، لا من أجل الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية. وراهنت السلطة على مرور اليوم بسلام كبرهان على جدارتها، بغض النظر عن قدرتها فى توفير الخبز أو رغبتها فى توفير الحرية والعدالة الاجتماعية.
كلاهما علّق مصداقيته على التوقيت الذى يمكن أن يصدق مع عرض مسرحى، لكنه لا يصح على حركة التاريخ وتفاعلاته العشوائية.
وفى الحقيقة، لم يكن التقيد بالتوقيت المظهر الوحيد لمسرحة الثورة؛ بل كل ما جرى خلال أكثر من شهرين كان يفرغ الثورة من أهدافها ومضمونها ويتعامل معها كأنها عرض مسرحى، سيخرج من ريبرتوار المسرح بنصه وأبطاله وديكوره ليُقدم ليوم واحد. وفى سبيل هذه المسرحة يجرى رفع الثورة من الواقع وإزاحتها إلى اللغة، بحيث تصبح حكرًا على المنتصر فى الجدل اللغوى!.
معسكر الإخوان يقدم براهين ثوريته اللغوية، وبيده الأخرى التى لا تحمل العبوة الناسفة يكتب عن انحيازه للشعب الذى جرب جشع حكمه وشهوة ميليشياته للقمع. لا ينتبه ذلك الفصيل إلى أنه يتحدث عن ثورة هو خارجها تمامًا، ولا يدرك أن فرصة انتسابه للثورة فى 25 يناير 2011 كانت سرقة غير قابلة للتكرار، بعد أن تحقق الجميع من أن جوهر فكر هذا الفصيل مناقض تمامًا لكل قيم الحرية.
السلطة من جهتها، وبغض النظر عن بعض منتسبيها غير الأذكياء الذين جاهروا بكراهية 25 يناير، جهزت المسرح من أجل إثبات نسب بنوتها وربما أبوتها للثورة، على الرغم من وجود الشباب فى السجون. قرارات تم اتخاذها لامتصاص الغضب قبل 25 يناير. قرارات تم تأجيل اتخاذها لعدم إثارة الغضب قبل 25 يناير. عدد محدود من السجناء الأقل خطرًا تم إطلاقهم قبل 25 يناير.
بدت 25 يناير طفلًا تتنازعه امرأتان، كل منهما تدعى أمومتها فى وجود أم ثالثة حقيقية لن تحكم بقسمة الطفل، وليس لها أن تنطق.
والآن؛ بعد أن أُسدل الستار على العرض سنحتاج إلى بعض الوقت كى نتعافى من أثر الشحن العاطفى، الذى استمر على مدار شهرين، على الأقل.
وسنحتاج إلى وقت طويل كى نفهم أثر الهروب من الواقع على مستقبلنا السياسى، فالمعركة الاجتماعية والاقتصادية غير المحسومة حتى اليوم لا يمكن حسمها فى اللغة. ولا يمكن للواقع المصرى أن يبقى طويلاً فى غرفة الانتظار المقبضة التى بقى فيها طوال السنوات الخمس الماضية.