«ما يُقال بعنف من الممكن أن يُقال بلطف»، هذا هو الدرس المستفاد من مقال السيد نيوتن (الشعائر هى الشعائر)، الذى تم نشره الثلاثاء الماضى. ما أبعد البون بين اللغة القاسية القاطعة للكاتبة فاطمة ناعوت، واللغة الودودة الرفيقة الهادئة للسيد نيوتن. حين قدم- بلغة السرد الناعمة- حكاية الخروفين اللذين ارتبطا بعلاقة المودة مع أحفاده، علاقة قائمة على الرحمة والصداقة، لذلك حين جاء اليوم الموعود وحانت لحظة الذبح فإنه آثر أن يحجب المشهد عنهم، مشفقا على طفولتهم البريئة من رؤية ذبح أصدقائهم.
من فينا يمكن أن يعترض على هذا المعنى الراقى؟ بالتأكيد لو كتبته لما لامها أحد. أو حتى لو اعترضت على الطرق الوحشية لذبح الخراف وشماتة الأطفال الساديين الذين يشاغبون الخروف قبل ذبحه.
أعترف أننا صرنا- كمصريين- أبعد ما نكون عن الرحمة. هذه أشياء لا يختلف عليها أحد. وهى أيضا مخالفة لتعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم الذى أمرنا- إذا ذبحنا- أن نحسن الذبح. فيُسنّ السكين حتى يصير حادا، ولا يشاهد الخروف ذبح أخيه. ناهيك أن يتم ضربه وترويعه. لكن المشكلة أنها كتبت فى الذبح كمبدأ، مع جرأة غير محمودة فى وصف الرؤيا الربانية بالكابوس.
أقول للسيد نيوتن: يعجبنى تلطفك والتماسك الأعذار للناس وحسن الظن بهم. هذه هى الصوفية الحقة. وما يجب أن نستفيد منه جميعا. خلاصة التجربة الإنسانية، وميراث الطين والماء فى رحلة الحياة المليئة بالشد والجذب. ثم يبدأ الإنسان فى إدراك عبث الصراع الآدمى. وأن الخصومات العنيفة لم يكن لها داع أصلا. فتهدأ الزوابع العنيفة وتشرق نفس الإنسان الطينى بالنور الإلهى. فيشرع فى الرفق بكل الكائنات، ويمتلئ بالرحمة للجميع ويلتمس لهم الأعذار ويقدم حسن الظن. فتلين القلوب النافرة حين تستشعر الرحمة.
لكن هذه الرحمة الخالصة لها حدود يجب أن نقف عندها، وإلا كنا كمن يشجع الخطأ. أوافقك تماما أن الشعائر غير العقيدة. وأن الإسلام فى جوهره تعريف الخلق بالخالق والحث على مكارم الأخلاق. تلك هى رسالته السامية. والشعائر تظل شعائر، ولكن تعظيمها من تقوى القلوب أيضا. (ومَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ).
هذا التودد رائع. وهذا الفيض الإنسانى الكريم يجب أن نتعلمه. ولكننا نظلم الكاتبة إذا شجعناها على التمادى فى الخطأ باعتبار أنها لم تُخطئ أصلا. وهناك فارق بين الرأى والإهانة. ينبغى على كل مؤمن التحدث باحترام عن عقيدة دينه وشعائره. مع وجود محظور فى الوقت نفسه، وهو أن يظن الناصح، ولو بينه وبين نفسه، أنه خير ممن ينتقده. ولعلها عند الله خير منا جميعا. ولعل بينها وبين خالقها سرا لا نعلمه. أو احتملت من الحزن ما جعل الله يغفر لها. أو ربما يحسن خاتمتها وتسوء خاتمتنا. لا أعلم. من أنا حتى أعلم؟ ولا أحكم على أحد. فقط أصف الخطأ بأنه خطأ ويجب التراجع عنه، دون أن أرتّب حكما على قائله.
وأرجو أن يكون واضحا أننى لا أؤيد بحال حبسها. إن قانون «ازدراء الأديان» مطاط ويمكن أن يصيبنا جميعا. وقد علمتنا التجارب أن ردود الأفعال العنيفة تسىء للإسلام أكثر مما تدافع عنه، ولنا فى الرسوم المسيئة للرسول عظة وعبرة. وأفضل ما يمكن فعله هو التجاهل.
ويبقى الدرس الأهم وهو أن «ما يُقال بعنف يمكن أن يقال برفق وتلطف»، فليتنا نستفيد من هذا الدرس جميعا.