x

كريمة كمال مبرر كاذب كريمة كمال الأربعاء 03-02-2016 21:45


هناك نظرية يتم تصديرها للمجتمع المصرى وهى أنه لكى نواجه الإرهاب وجرائمه وضرباته المتتالية علينا كمجتمع أن نتجاهل حقوق الإنسان، حيث إن احترام حقوق الإنسان يتعارض مع إنفاذ القوانين بشكل فعّال، وإن الأجهزة الأمنية فى مواجهتها للإرهاب ولكى تستطيع أن تشن حربًا عليه وتنتصر فى هذه الحرب عليها ألا تتقيد بحقوق الإنسان التى تنظر إليها هذه الأجهزة الأمنية بوصفها عراقيل يضعها المحامون والمنظمات الحقوقية العاملة فى مجال حقوق الإنسان فى طريق هذه الأجهزة.. والمشكلة أن هذه النظرية قد تطورت فى الفترة الأخيرة لتشمل كل من ترى هذه الأجهزة أنه يهدد الأمن العام، ولم تعُد تقتصر على التصدى للمتورطين فى الإرهاب، بل امتدت لكل من يتصور أنه مناوئ للنظام أو ناقد له أو أنه يمكن أن يشكل معارضة ما..

لذلك رأينا قبل حلول ذكرى الثورة فى 25 يناير التوسع فى الاشتباه والقبض على كل من له صلة بالثورة من باب أنه يمكن أن يكون مشاركًا فى أى فعاليات فى ذكرى الثورة، ثم رأينا الانفجار الذى حدث فى القبض على صاحب أى رأى معارض والذى انتهى حتى كتابة هذه السطور بالقبض على رسام الكاريكاتير «إسلام جاويش» والمسؤولين فى صفحة «الورقة» بحجة عدم وجود ترخيص. وإذا كنا قد رأينا ما جرى فى تشكيل مجلس النواب من محاولة تدجينه، بدءًا بالقوانين المنظمة له وهى قوانين الانتخابات التى فتحت الباب للمستقلين وأغلقته فى وجه الأحزاب وانتهاء بالتعيينات.. فإننا نجد أنفسنا فى حالة إغلاق للمجال السياسى من ناحية ومن ناحية أخرى نحن فى حالة من الرفض لأى رأى معارض ليس بمناقشته بل بتشويهه أو باعتقاله.. والمشكلة أن هذه الحالة تستثمر سقوط الشهداء من الشرطة والجيش يوميًّا، لتؤكد أنه غير مسموح ولا مقبول أن تكون هناك معارضة، وهؤلاء الشهداء يسقطون وكأنما من يعارض يعارض هؤلاء الشهداء، بل يعمل ضدهم ويهدر تضحياتهم.. بل إن هذه الحالة تستثمر حالة التهديد التى يشعر بها المواطن العادى مع كل حادث إرهابى ومع كل قنبلة تنفجر أو شهيد يسقط، لكى تبرر أى ممارسة خارجة عن القانون سواء كانت فى التوسع فى الاعتقال أو ما يسمى الاختفاء القسرى أو ممارسات ضباط وأمناء الشرطة ضد المواطنين فى الأداء اليومى، وهى كلها فى زيادة ملحوظة فى الفترة الأخيرة.

إن فكرة الرد بأن كل هذا ليس سوى ممارسات فردية هى فكرة مردود عليها بأن هذه الممارسات قد ازدادت بشكل ملحوظ، مما يخرجها من كونها ممارسات فردية، وعلينا أن نسأل الوزارة نفسها: كم مرة خرج علينا اللواء «أبوبكر عبدالكريم» مساعد وزير الداخلية للعلاقات العامة والإعلام فى الأسبوع الماضى فقط للرد على ما يثار من تجاوزات للشرطة؟ لقد تحول الرجل إلى فقرة ثابتة فى كل برامج التوك شو المسائية.. إن كل هذه الممارسات وإن كانت تتذرع بمواجهة الإرهاب الأسود وتحدياته إلا أنها تدريجيًّا وإن قبلها جزء من الرأى العام تحت وطأة الخوف من الإرهاب والرغبة فى مواجهته سوف تطول قطاعًا أكبر ممن يوافقون عليها الآن، أو يبررونها فإنها مثل الموجة التى تتسع بشكل تدريجى لتطال من لا تطاله اليوم.. وإذا ما أخذنا فى الاعتبار حالة حصار الرأى المخالف التى تطال فى نفس الوقت المفكرين والمبدعين واستهدافهم بقضايا الحسبة فإننا نجد أنفسنا فى مجتمع يواجه حالة خنق للمجال العام مع تسييد صوت واحد وخطاب فاشٍ يخرج علينا من بعض فضائيات رجال الأعمال ليغتال ويشوه كل من يختلف.

سوف تزداد هذه الحالة حدة إذا لم يتم وضع حد للارتباط الشرطى المصنوع ما بين مواجهة الإرهاب وفتح المجال العام وتوفير الحقوق والحريات.. سوف تزداد الصورة قتامة إذا لم يتم الفصل ما بين دماء الشهداء من رجال الجيش والشرطة وتضحياتهم وبين التنكيل بالمعارضين والمختلفين.. فهذا الاستخدام المتعسف للإرهاب كمبرر لإهدارالحياة السياسية والحريات لا يمكنه أن يستقر دون المساس بصورة النظام السياسى، ليس خارجيا فقط لكن داخليا بالدرجة الأولى، بل إنه يمزق الجبهة الداخلية التى هى بالضرورة أساس مواجهة الإرهاب والحرب ضده.. قد تجد الأصوات الفاشية والتجاوزات الأمنية واغتيال الحريات مؤيدًا الآن، لكنها مع مرور الوقت سوف تستقطب المزيد من الرافضين.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية