x

عاصم الدسوقى: سيناريو «جمعة الغضب» نسخة من «حريق القاهرة» (حوار)

المؤرخ يعلق فى حوار لـ«المصرى اليوم» على وثائق «26 يناير 1952»: «مشروع الفوضى» طرحه الغرب قبل «يوليو 1952» و«يناير 2011»
السبت 30-01-2016 00:03 | كتب: شريف عارف |
عاصم الدسوقي يتحدث للمصري اليوم عاصم الدسوقي يتحدث للمصري اليوم تصوير : أدهم خورشيد

هو «شاهد عيان» على «حريق القاهرة» قبل أن يكون أستاذاً للتاريخ الحديث ومؤرخاً للحركة الوطنية المصرية، فقد شاءت الأقدار له أن يكون فى قلب الحدث بين ألسنة اللهب وأعمدة الدخان المتصاعدة من العاصمة يوم 26 يناير عام 1952. كان وقت نشوب الحريق تلميذاً فى المرحلة الابتدائية، واضطرت حالة «الفوضى» إدارة مدرسته إلى صرف التلاميذ حفاظاً على حياتهم، ليجد نفسه بعد دقائق معدودة بين رائحة الحرائق وآثار الدمار..!

الدكتور عاصم الدسوقى يقدم «شهادة تاريخية» حول الوثائق التى كشفت عنها «المصرى اليوم» حول «حريق القاهرة»، مؤكداً أن «جمعة الغضب» فى يناير 2011 كانت «سيناريو مكرراً للفوضى» التى شهدتها مصر من قبل فى 26 يناير عام 1952، وأن جماعة الإخوان المسلمين كانت «صاحبة مصلحة» فى الحريق لإزاحة حكومة الوفد «عدوها التقليدى» عن المشهد السياسى. وإلى الحوار..

■ يظل حريق القاهرة واحداً من الألغاز التى لم يستطع أحد حتى الآن فك رموزها.. كيف تنظر إلى هذا الحدث بعد 64 عاماً على وقوعه؟

- حريق القاهرة من الحوادث الغامضة فى تاريخ مصر الحديث. وكون نتائج التحقيقات تصل إلى قيده «ضد مجهول» معناها أن الفاعل «معروف».

■ بمعنى؟

- بمعنى أن الفاعل معروف، ولكن لا يمكن الإشارة إليه، على الأقل فى هذا التوقيت. وهذا الحادث تقريباً مثله مثل موت أسمهان «حادث يقيد ضد مجهول»، ومن بعده يبدأ البعض فى التكهن وتوجيه الاتهامات.

■ لماذا لا يمكن الإشارة إلى الفاعل فى هذا التوقيت؟

- لمعرفة ملابسات حريق القاهرة لابد أن نعيد النظر إلى الخريطة السياسية لمصر والمنطقة فى هذا التوقيت، فاختيار يوم «26 يناير» لإشعال هذا الحريق لم يكن اختياراً عشوائياً، فقد بدأت تداعيات هذا الحادث قبل ثلاثة شهور من وقوعه، عندما فكر النحاس فى إلغاء معاهدة الصداقة مع إنجلترا الموقعة عام 1936 فى 8 أكتوبر عام 1951. وكان هذا الإلغاء غير قانونى، وفقاً لنصوص المعاهدة، التى كانت تنص على أن مدتها هى عشرون عاماً، ولكن يجوز بعد مرور السنوات العشر الأولى أن تكون هناك جلسة مفاوضات للنظر فى أى تعديل إذا اقتضى الأمر. ويكون ذلك برضاء الطرفين. وظل الوضع إلى أن عاد الوفد إلى الحكم فى يناير عام 1950. وقررت حكومته التفاوض مرة أخرى حول الجلاء. وكما هو معلوم فقد ظهر معسكران شرقى وآخر غربى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وهو ما دفع الولايات المتحدة وبريطانيا إلى تشكيل تحالف لمحاصرة السوفييت. وتم على أثر ذلك تشكيل حلف الأطلنطى عام 1949، وظهر هناك ما عرف باسم «قيادة الشرق الأوسط»، وهذا الحلف كان قوامه تركيا وإيران وباكستان.. وكان ضروريا وجود دولة عربية مثل مصر.

عاصم الدسوقي

■ لماذا مصر على وجه التحديد؟

- هو حلف عسكرى، وكانت أكبر القواعد البريطانية هى الموجودة فى مصر بمنطقة القناة. وخلال هذا التوقيت سربت المخابرات الأمريكية إلى وزير الخارجية فى حكومة الوفد الدكتور محمد صلاح الدين، أنها على استعداد لمساعدة مصر فى إلغاء المعاهدة، وأن تكون مصر قائدة الشرق الأوسط. وعلى الفور نقل «صلاح الدين» هذا التصور إلى مصطفى النحاس، فى الوقت الذى كانت تتصاعد فيه عمليات المقاومة ضد الإنجليز فى منطقة القناة. وفى 8 أكتوبر ألغى النحاس المعاهدة وبعدها بأيام وتحديداً فى 12 أكتوبر تم تقديم العرض رسمياً للتحالف الرباعى مع مصر. فرفض النحاس ذلك ورأى أنه يمثل استعماراً جديداً. وبعدها بساعات أصدرت الخارجية الأمريكية بياناً أعربت فيه عن أسفها لرفض مصر لهذا العرض الذى وصفته بـ« السخى».. واختتمت البيان بالقول «إن إلغاء المعاهدة غير قانونى»!

■ وماذا فعلت حكومة الوفد تجاه هذا التطور؟

- الحكومة كانت أمام أهم مأزق وهو تشغيل العمالة التى تركت المعسكرات الإنجليزية، وكذلك فقد ألزمت الموردين بعدم تقديم أى أطعمة للمعسكرات البريطانية بالقناة. واضطرت إنجلترا وقتها إلى أن تستقدم طعام معسكراتها من قبرص، بينما عجزت عن توفير العمالة. وهنا اشتعلت عمليات المقاومة وأربكت الموقف. وشاركت فيها مختلف الفئات من طلاب الجامعات والعمال والضباط الأحرار أمثال وجيه أباظة وغيره. وهنا أصبحت إنجلترا فى مأزق خطير، وهو أنها تريد الخلاص من النحاس، وهى التى فرضته من قبل على الملك فى 4 فبراير عام 1942، وبالتالى كانت لا تجرؤ على طلب عزله من الملك، لأنه وقتها سيسخر منهم، لأنهم هم الذين فرضوه عليه، وبالتالى كانت الفكرة هى محاصرة هذه الحكومة أو اقتيادها لحالة «فوضى» تدفع الملك للخلاص منها.

■ وكيف بدأت خطة الفوضى؟

- بدأت بإثارة الفتنة الطائفية عندما أقدم عملاء الإنجليز والأمريكان على حرق الكنيسة الموجودة بالسويس وقتل إحدى الراهبات الإنجيليات، لإثارة حماسة الأمريكان نحو التدخل المباشر. لكن تحفيز التدخل الخارجى الأمريكى فشل. فاضطر الإنجليز والأمريكان إلى التعامل مع الواقع السياسى المتمثل فى الوفد وحكومته وأحزاب الأقليات والملك الذى هو العدو التقليدى للوفد وجماعة الإخوان المسلمين التى اتجهت بتنظيمها الخاص إلى العمل السياسى.

■ لكم دراسة مهمة صدرت فى منتصف السبعينيات تحت عنوان «القومية عند الإخوان المسلمين» تحدثتم فى سابقة هى الأولى عن رفض فكرة الوطن عند الجماعة والاتجاه إلى البعد القومى الإسلامى.. وهو ربما ما انعكس على رفضها المشاركة ضمن كتائب التحرير لمقاومة الإنجليز فى القناة.. كيف ترى هذا المبدأ؟

- كل القوى السياسية المتناحرة كانت عيونها على الإخوان. الكل يحاول استمالة الجماعة التى تستغل الدين فى تحركاتها ووجودها فى الشارع، فسعى الملك لاستمالتهم، والإنجليز لتسخيرهم للعمل معهم، وهو ما حدث عند تمويل الجماعة من أموال الشركة العالمية لقناة السويس، حتى إن الإخوان حينما قرروا بناء مسجد اختلفوا على الأموال المصروفة عليه، لأنها «أموال ضرار»!.. كل ذلك إضافة إلى الاشتراكيين الذين كان يتزعمهم أحمد حسين، فقد كانت كل التيارات تغازله، وهو كان يلعب مع كل الأطراف، فقد بدأ حزبه «الاشتراكى» أولاً بجمعية «مصر الفتاة» عام 1933 تأثراً بجمعية «تركيا الفتاة». ولكن مشكلته أنه غير اسم الجمعية إلى «الحزب الوطنى الإسلامى».. وكان شعاره «الله. الملك. الوطن»، وعندما اتخذ هذا الشعار كان طبيعياً أن يخرج الأقباط منه.

■ هل كانت هذه هى بداية تعاون الاشتراكيين مع الإخوان؟

- بكل تأكيد هو حزب إسلامى وهذه جماعة إسلامية.. والأهداف والرؤى مقتربة إلى حد كبير، وإنما كان الخلاف دائماً على «الزعامة».

■ ربما يتطابق ذلك إلى حد كبير مع المواقف لكلا الطرفين فى أعقاب ثورة يناير 2011؟

- نعم.. فهم الأقرب لبعضهم البعض.. فحسن البنا اتصل بعدد من أجهزة المخابرات الغربية، ومنهم الإيطاليون خلال الحرب العالمية الثانية، على أساس أن إيطاليا كانت فى مواجهة مع إنجلترا، بهدف كسب ظهير سياسى للوصول إلى الحكم. ولكن المخابرات البريطانية ضبطت الاتصال وبدلاً من أن تكشف له عن ذلك، أرادت أن تستمر فى علاقاتها معه، فأبلغت الحكومة المصرية وكان الوفد فى الحكم، فقررت الحكومة نقله إلى الصعيد بدلاً من مساءلته!.. وهنا بدأ انتشاره فى صعيد مصر.

■ وكيف عاد البنا مرة أخرى إلى القاهرة؟

- توسط له الدكتور محمد حسين هيكل، وأعادته الحكومة مرة أخرى. وهنا نصل إلى قضية خطيرة، وهى أن بريطانيا فتحت اتصالاتها مع كل القوى الموجودة فى الساحة المصرية.

■ هل كان إلغاء المعاهدة فى أكتوبر عام 1951 عنصراً مفاجئاً لبريطانيا؟

- نعم.. ولدرجة أربكتها بحيث أصبح بقاؤها فى مصر غير مشروع، واستعاد النحاس لملك مصر لقبه «ملك مصر والسودان»، وكان تأييد الحكومة للعمليات الفدائية ضربة قاسمة.

■ وهنا لجأت بريطانيا لسيناريو «الفوضى»:

- نعم.. وهنا أصبح الملك طرفاً فى ذلك «السيناريو» ولاعبا رئيسيا، فقد كان بينه وبين الوفد ثأر قديم منذ حادث «4 فبراير»، الذى قرر بعده تشكيل الحرس الحديدى الذى كان من بين أعضائه «أنور السادات» بعدما تم فصله من الجيش. وكان الهدف من ذلك هو التخلص من كل «عملاء الإنجليز»، وكانت باكورة المخططات هى اغتيال وزير مالية الوفد «أمين عثمان» وغيرها من حوادث الاغتيال.. وهنا لا نستبعد رضى إنجلترا عن دخول الملك فى السيناريو، لكى تبقى هى بعيدة عن الموقف نهائياً.

■ وكيف تصاعد الموقف ليصل إلى «حريق القاهرة»؟

- لم يكن اختيار اليوم عشوائياً. ففى يوم 26 يناير كان مقرراً الاحتفال بـ«سبوع» ولى العهد الأمير أحمد فؤاد. وكما هو معروف أن «السبوع» عادة مصرية قديمة، يقام للمولود بعد مرور سبعة أيام فى المساء أو تحديداً عقب صلاة المغرب. ودون مقدمات تم توجيه الدعوة إلى قادة الجيش والشرطة للاحتفال بـ«سبوع» ولى العهد فى الساعة الثانية عشرة من ظهر يوم السبت 26 يناير. وحضر الاحتفال كل القادة فى مصر.

■ فيما عدا رئيس الحكومة مصطفى النحاس وأعضاء حكومته.. لماذا؟

- هو دليل على حجم الخصومة التى بلغت ذروتها بين السراى والنحاس ورجاله عندما يقام احتفال بهذا الحجم دون دعوة رئيس الحكومة. والوثائق البريطاينة أظهرت بعدما تم الكشف عنها بمناسبة مرور ثلاثين عاماً على الحادث أنه صدرت تعليمات إلى البنوك الأجنبية ومنها «باركليز» والمحلات الكبرى كـ«شملا» و«شيكوريل» وغيرها بإغلاق أبوابها الساعة 12 ظهراً. والحريق بدأ فى تمام الساعة 30: 12 ظهراً!.. الطريف أننى وقتها كنت موجوداً وسط هذا الحريق.

■ كيف؟

- كنت طالباً بالمرحلة الابتدائية فى مدرسة «محمد على الكبير» بشبرا، والتى سميت بعد ثورة يوليو باسم «محمد فريد». ومع تصاعد المظاهرات، أخرجتنا الإدارة من المدرسة، وتحركت مع مجموعة من زملائى بين المتظاهرين عبر كوبرى السكة الحديد ووجدنا أنفسنا فى وسط القاهرة بشارع عماد الدين. ورأيت فندق «شبرد» وهو يحترق، وألسنة اللهب تتصاعد من محل «شيكوريل» ودور العرض السينمائى والملاهى وكازينو «بديعة» و«صفية حلمى». وكان معى زميل لى بالمدرسة، وكنا نتحرك سوياً من مكان إلى آخر، وشاهدنا عمليات النهب والسلب والفوضى..«اللى سارق بدلة.. واللى خارج من محل بكنبة»، كان مشهداً مأساوياً أن ترى مصر وسط هذه الحالة من الفوضى.

■ كمؤرخ وشاهد عيان معاصر لحدثين جاء كل منهما فى شهر «يناير» الأول فى 1952 والثانى فى 2011.. ما هو وجه التقارب بين «جمعة الغضب» و«السبت الأسود» فى حريق القاهرة؟

- التقارب فى حالة الفوضى وعمليات السلب والنهب. وأن كلا الحادثين كان مصنوعاً وغير طبيعى. ففى حالة 1952 كانت الخريطة السياسية تدفع نحو «الفوضى»، فالسيناريوهان متقاربان إلى حد كبير تصل إلى «الاستنساخ». ففى 2011 كان هدف «الفوضى» هو إحداث «التغيير» الذى يخدم النظام العالمى الجديد. وهو النظام الذى دعا إليه «بوش الأب» عام 1991 أثناء الإعداد لإخراج العراق بعد غزوه للكويت. وقال جملته الشهيرة: «إننا لا ندافع عن دولة صغيرة احتلتها دولة كبيرة.. ولكننا ندافع عن النظام العالمى الجديد».. ولم يحدد «ما هو النظام العالمى الجديد»؟!..

■ وماذا يقابل «تصريحات بوش» فى سيناريو «يناير 1952»؟

- تقابلها فكرة «تحالف قيادة الشرق الأوسط» عام 1951.. هى نفس السيناريو تقريباً. وفى المقارنة بما حدث بعد حرب الخليج الثانية عام 1991، بدأت تتصاعد فكرة «تفكيك القوميات»، وهو ما حدث فى بداية الألفية الثالثة، عندما أخرجوا إقليم تيمور الشرقية من إندونيسيا وأقاموا دولة يقطنها مليون مسيحى.. وإندونيسيا دولة إسلامية كبيرة.. !

■ وماذا حدث فى «1952»؟

- كل الأحداث مهدت لوصول «الضباط الأحرار» إلى الحكم بعد «خلخلته» بـ«4» وزارات ضعيفة.

■ هناك علامة استفهام كبيرة حول تأخر «نزول الجيش» لإنقاذ القاهرة من حالة الفوضى الناجمة عن الحريق.. حتى إن فؤاد سراج الدين باشا حاول الاتصال مراراً بالسراى والفريق محمد حيدر، وزير الحربية، لطلب نزول القوات.. كيف ترصد ذلك؟

- هذا هو الهدف من الاحتفال المقام بسراى عابدين لـ«سبوع الأمير»، وهو ما أدى إلى تأخر نزول الجيش واحتجاز القادة داخل قصر عابدين. فقد صدرت أوامر التحرك فى الثالثة عصراً. وبدأت وحدات الجيش تظهر فى الشوارع اعتباراً من الرابعة والنصف تقريبا. وأنا شاهد عيان على ذلك فقد شاهدت جنود الجيش وهم يضعون «الحواجز الحديدية» أمام المواقع الحيوية والبنوك.

■ فى الحديث عن «الضباط الأحرار» و«الإخوان» هناك دائماً اتهامات بين كل منهما للآخر بأنه شارك فى الحريق.. ما تحليلك؟

- لو كان هناك اتهام حقيقى للضباط الأحرار لكان تم التحقيق معهم كما حدث مع الاشتراكيين وزعيمهم أحمد حسين. إنما لم تكن هناك اتهامات.. ربما شبهات فى تقارير «القلم المخصوص»..

■ ولكن الرئيس عبدالناصر فى شهادته بمذكرات «إبراهيم طلعت» أكد أن الإخوان وحدهم هم الذين كانوا يملكون «البودرة الحارقة» المستخدمة فى الحريق.. ما رأيك؟

- هذه المادة «الكبريتية» كانت تصنع فى مصنع خاص تابع للقوات البريطانية بمنطقة «كسفريت». وهو المصنع الوحيد فعلاً الذى كان ينتج هذه المادة. والوثائق البريطانية أشارت – بعد الإفراج عنها – إلى أن هناك أشخاصا ملامحهم أجنبية كانوا يعطون الصبية وأطفال الشوارع هذه المواد ليضعوها بمداخل المبانى والمحال التجارية لتسهيل عملية الاشتعال. وما يؤكد لى صدق هذه الواقعة أن زميلى المرافق لى فى ذلك اليوم فقد «شنطته المدرسية» أثناء الحريق.. وبعد سنوات وأنا فى المرحلة الإعدادية، قرأت تحقيقا صحفياً عن «ضحايا حريق القاهرة» ووجدت صورة زميلى وهو داخل «الإصلاحية»، وهو ما يعنى أن البوليس زج به بين المتهمين بعد أن عثروا على شنطته بين مخلفات الحريق على اعتبار أنه من بين «الصبية المنفذين»!

■.. ولكن وزير الداخلية «مرتضى المراغى» الذى حقق فى الحادث أكد فى مذكراته أن القيادى الإخوانى الشيخ محمد فرغلى كان متواجداً فى ميدان إبراهيم «الأوبرا» وحرض الناس على حرق كازينو بديعة.. كيف ترى مشاركة الإخوان؟

- هى مشاركة فعلية ولكن لها جذور تمتد إلى عام 1942، حينما جاء «النحاس» إلى الحكم بـ«إرادة إنجليزية»، وأجريت الانتخابات البرلمانية وترشح حسن البنا فى الإسماعيلية واستدعاه النحاس وقال له مباشرة: «يا سياسة.. يا دين» ونصحه بالانسحاب فقال له البنا: «أنا مستعد للانسحاب.. ولكن بشرط أن تطبقوا الشريعة».

■ لماذا هذا الطلب على وجه التحديد؟

- الإخوان طلاب حكم، ولن يتحقق ذلك إلا بتطبيق الشريعة. فهم لهم طريقتان إما الحكم مباشرة وإما أن يكون الحاكم فى «قبضتهم»، وهذه هى عقيدتهم حتى اليوم. وبالتالى هم كانوا أصحاب مصلحة فى إزاحة الوفد عن الحكم فى 26 يناير 1952.. فهو عدوهم التقليدى.

■ إلى أى مدى كان يتدخل «البوليس السياسى» فى الواقع السياسى المصرى قبل يوليو 1952؟

- كان يتدخل فى كل شىء.. فهو اللاعب الرئيسى «من وراء الستار» وهو «الاستشارى» للملك والإنجليز.

■ هو نفس الدور الذى كانت تلعبه «مباحث أمن الدولة» قبل 2011؟

- تقريباً.. وهو واضح من الاسم «البوليس السياسى»، يعنى أن مهمته الحفاظ على النظام وبقائه.

■ كان هناك وصف لفؤاد سراج الدين للبوليس السياسى بأنه «يتلون» وفقاً للحكم.. مارأيك؟

- بالتأكيد هو مع الحاكم سواء «خديو أو ملك»!

■ عندما توجهت الجماهير الغاضبة إلى مجلس الوزراء يوم 26 يناير خرج لها عبدالفتاح باشا حسن، وزير الشؤون الاجتماعية، وهتف مع المتظاهرين لامتصاص غضبهم.. وقال جملة مهمة «سنقطع علاقتنا ببريطانيا.. ونتعاون مع السوفيت».. كيف تحلل هذا الرد؟

- هذا تصرف رجل دولة مدرك للصراع الدولى الدائر حول مصر. فهذا زمن تحالف الأمريكان مع المعسكر الأوروبى الرأسمالى ضد المعسكر الشرقى. فبعد الحرب العالمية الثانية كان السوفيت يعاونون معظم الحركات الوطنية. وهو ما انعكس على التحرك السوفيتى فى الشرق الأوسط خلال الخمسينيات من القرن الماضى.

■ هناك جدل كبير حول قرار «سراج الدين» بالمقاومة حتى آخر طلقة فى يوم 25 يناير بالإسماعيلية.. مما دفع الجنود إلى الوقوف بأسلحتهم التقليدية أمام الدبابات «السنتريون» البريطانية فى مواجهة غير متكافئة.. كيف ترى ذلك؟

- فى رأيى أن «سراج الدين» كان مضطراً لذلك.. على عكس مبادئه..

■ كيف؟

- عندما حاصرت الدبابات البريطانية حكمدارية الإسماعيلية وطالبت الجنود بالاستسلام، اتصل اليوزباشى مصطفى رفعت بسراج الدين فى الثالثة فجراً وأطلعه على الموقف.. فقال له: «النحاس باشا نايم الآن.. وما أقدرش أصحيه.. إنما انتوا تقدروا تصمدوا فى المقاومة»، فقال رفعت: «أوامرك يا باشا» فكان رد سراج الدين «على بركة الله».. وأعتقد من هذا الرد أن وزير الداخلية كان فى «مأزق» ولم يكن أمامه تصرف آخر..!

■ وكيف تنظر إلى «عبقرية المقاومة» فى القناة؟

- الشخصية المصرية تبدو «مستكينة».. ولكنها تثور مع فقدان الكرامة.. المصرى يصبر على الظلم ولكنه يخرج عن شعوره وقتما يفقد كرامته..

■ بعد ثمانية عقود على تأسيس جماعة الإخوان المسلمين.. كيف ترى مستقبلها «السياسى» بعد ثورة 30 يونيو؟

- هى جماعة حصلت على الفرصة وأثبتت «فشلها».. وكانت لى وجهة نظر طرحتها فى مقالات صحفية وهى ترك الإسلاميين يصلون للحكم حتى يثبتوا فشلهم. فلا فرق بين «الإخوان» و«الحزب الوطنى». فكلاهما أصحاب «رأسمال» وموقفهما من العدالة الاجتماعية واحد. وكذلك «الأجندة الأمريكية» نفس الشىء.. ولذلك كانت أزمتهم الحقيقية فى التصادم مع «الموروث الثقافى المصرى»، صدور تصريحات غريبة بأن الأقباط عليهم دفع «الجزية» وغيرها من الأفكار التى تتقبلها الشخصية المصرية.

■ هل نعتبر أن «30 يونيو» هى السيناريو المكرر لتعامل عبدالناصر مع الإخوان فى 1954؟

- طبعاً.. فعبد الناصر تنقل بين مختلف التنظيمات بما فيها الإخوان، وله «كارنيه» فى مصر الفتاة. وانضم إلى الحركة الشيوعية وكان اسمه الحركى «موريس»، وذلك مثبت تاريخياً. والأزمة بين عبدالناصر والإخوان عندما تحالفوا مع «محمد نجيب» ضده. وكان صعباً على عبدالناصر أن يحارب على جبهتين فى وقت واحد لأنه كان مشغولاً بمفاوضات الجلاء مع الإنجليز. وعقب توقيع الاتفاقية والتصديق عليها فى أكتوبر..أعفى «نجيب» من منصبه. ولو حدث ذلك أثناء المفاوضات لقلب الإخوان الطاولة. وهنا ذكر رئيس الوزراء البريطانى أنتونى إيدن فى مذكراته «إننا كنا نعتمد على الإخوان فى إثارة القلاقل أثناء التفاوض مع ناصر لإحداث فوضى تدفعنا للخروج من التفاوض» !.. ومن قبل ذلك تحدث حسن الهضيبى مباشرة إلى «عبدالناصر» طالباً منه أن يرسل أى مشروع قرار مزمع صدوره عن مجلس قيادة الثورة إلى «مكتب الإرشاد» لدراسته.. وهو ما تكرر بعد أكثر من نصف قرن عندما أصبح «مرسى» رئيساً، والحاكم الفعلى كان «مكتب الإرشاد»!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية