x

شهادة الدكتور عاصم الدسوقي في عهد عبدالناصر وملامحه

الإثنين 28-09-2015 15:08 | كتب: ماهر حسن |
دسوقي دسوقي تصوير : آخرون

يرصد الدكتور عاصم الدسوقي، المؤرخ المصري، العميد السابق لكلية الآداب بجامعة حلوان، في حديثه لـ«المصري اليوم»، بمناسبة الذكرى الـ45 لوفاة الرئيس جمال عبدالناصر، جملة من الملامح الرئيسية التي تميز بها عهد الرئيس جمال عبدالناصر، سواء على صعيد التعليم أو التصنيع أو نزاهة الحكم، وابتعاده عن الشبهات لاستثمار السلطة لتحقيق مآرب شخصية، وعن المنطق الذي يحكم مسألة اختيار «ناصر» لرجاله، قال «الدسوقي»: «في مرحلة تكوين تنظيم الضباط الأحرار كان أساس اختياره مدى الإيمان بفكرة تغيير الحكم، وكانت وسيلته في هذا الاختيار المناقشات التي كان يجريها مع زملائه في معسكر منقباد جنوبي أسيوط، الذي تم إرساله إليه فور تخرجه في الكلية الحربية بداية الخدمة العسكرية، وكان يحتفظ لنفسه بقرار الاختيار أو الاستبعاد بناءً على المناقشات التي تطرح في جلسات المساء بعد الانتهاء من طوابير العمل، والدليل على هذا أن المشير أحمد إسماعيل مثلًا كان من زملائه في المعسكر، لكن ناصر لم يضمه إلى التنظيم، وهذا يؤكد أنه لم يجد فيه الكفاءة المطلوبة».

أما في مرحلة رئاسته للوزارة وللجمهورية، فكان أساس اختياره لأعوانه، حسب شهادة «الدسوقي»، هي «الكفاءة والقدرة في المهمة الوظيفية التي تتعلق بالهدف، وذلك بناء على معلومات تفصيلية خاصة بتاريخ الذي يتم تكليفه من خارج المؤسسة العسكرية، أما من يتم تكليفه من داخل المؤسسة العسكرية فكانوا من دائرة تنظيم الضباط الأحرار في الصف الأول والثاني مع اشتراط الكفاءة أيضًا فيما كان يُعرف بـ(أهل الثقة)، ومن يتبين عدم كفاءته أو اختلافه مع ناصر في التوجهات السياسية فكان يتم الاستغناء عنه في هدوء، ومن أمثلة ذلك الاستغناء عن خالد محيي الدين في أعقاب أزمة مارس 1954 واعتصام سلاح الفرسان، وعن صلاح سالم بسبب مظهره غير اللائق في رحلته لجنوب السودان وميله إلى آراء حزب الأمة السوداني المؤيد من إنجلترا لفصل السودان عن مصر، وعن كمال الدين حسين لميوله المُعادية لفكرة الوحدة العربية، وعن عبداللطيف البغدادي لمعارضته للاتجاه الاشتراكي».

يضيف الدكتور عاصم الدسوقي أن «ناصر قدّر الزمالة، ولم يعتقل أو يسجن أولئك الذين اختلفوا معه، بل قال لهم فرادى (أنت لن تستطيع أن تكمل الطريق معنا). وفي حديث له مع محرر مجلة (نيوزويك) الأمريكية، سأله المحرر عن علاقته بزملائه، ولماذا اختلف معهم، فأجاب قائلا: (نحن كنا أشبه بمجموعة من الأصدقاء قررنا القيام برحلة إلى الإسكندرية واتفقنا على أن نتجمع في محطة مصر لركوب القطار في ساعة محددة، وبعد أن مضى القطار في طريقه نزل البعض في محطة بنها، ونزل البعض في طنطا، والبعض الآخر في دمنهور، واستمر الباقون إلى نهاية الرحلة). ولكن الزعيم استثنى عبدالحكيم عامر من ذلك المصير نظرا لعلاقته الشخصية المتينة به، ورغم اقتناع ناصر بعدم كفاءة عبدالحكيم عامر في قيادة الجيش بعد معارك العدوان الثلاثي 1956 قال له: (نحن نسينا العسكرية ولبسنا لبس مدني ولابد أن تترك الجيش)، ولكن عامر رفض التخلي عن منصبه، وتكرر الموقف في هزيمة 1967، فتكرر أيضًا طلب ناصر له بالاستقالة وقبول منصب نائب الرئيس إلا أنه رفض، ولكن ناصر أبى أن يقيله أو يفصله أو يقدمه للمحاكمة، وتلك هي نقطة الضعف الوحيدة في اختياره لأحد رجاله».

وعن التعليم في عهده، قال الدسوقي: «تم تغيير اسم وزارة المعارف إلى وزارة التربية والتعليم بهدف أن تكون المدرسة وسيلة للتربية والإعداد وليس فقط لتحصيل المعارف، وانتشرت المدارس في أحياء المدن ومراكز الريف، وأصبح التعليم بالمجان في المرحلة الثانوية، وكانت حكومة مصطفى النحاس، رئيس حزب الوفد، قررت مجانية جزئية في التعليم الابتدائي بفضل طه حسين، وزير المعارف، الذي لم يكن وفديًا.

ثم مع ثورة يوليو، تم تعميم المجانية في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، وتم تعميم المجانية في الجامعة عام 1962 في ضوء التحولات الاشتراكية.

وينبغي التأكيد على أن المجانية لم تكن مطلقة، لكن كانت هناك رسوم رمزية ضئيلة جدًا، ولكنها بالنسبة للأهالي كانت مكسبًا كبيرًا؛ حيث يمكن دفعها دون الشعور بأي عبء»، مضيفًا: «تقرر أيضًا وضع المدارس الأجنبية والخاصة تحت رقابة وزارة التربية والتعليم من حيث المناهج المقررة والكتب».

وعند الحديث عما إذا كانت هناك حالات فساد في عهده، قال «الدسوقي»: «لم نسمع عن واقعة فساد في عهده لسبب بسيط وهو أنه كان قدوة، وجاءت قوته من استقامته بحيث لم يكن يجرؤ أحد من العاملين معه أو في دوائر الحكم أن ينحرف بالحكم ويرتكب واقعة من وقائع الفساد، ولم يكن ناصر هكذا بل كان قاسيا على نفسه. وفي هذا أتذكر القاعدة الأخلاقية التي تنطبق عليه (لا يستقيم الظل والعود أعوج)، فطالما ظل مستقيم الخلق والمواقف، ولابد أن يكون الجميع كذلك حتى ولو كانوا مفسدين».

يلتفت «الدسوقي» أيضًا إلى نزاهة «ناصر» وذمته المالية، فيقول: «لم يحكم مصر حاكما في نزاهته وهذا إجماع عام، وفي هذا تروى حكايات كثيرة، حيث اقترح عليه بعض حملة المباخر، الذين لا يخلو منهم عهد، لكن المهم في مدى الاستجابة، تطوير قرية بني مر في أسيوط حيث مسقط رأس أسرته، فقال ناصر إن هناك 4 آلاف قرية في مصر عليكم تطويرها أولًا، وتكون بني مر آخر قرية. وكان بعض المنافقين يرسلون إليه أموالًا لشرائه، فقام بوضع هذه الأموال في حساب خاص بالبنك يدفع منه لأصحاب الحاجات. وحدث أنه في طريقه اليومي لمقر القيادة بمنشية البكري وجد عمالًا يقومون ببناء مسجد، وفي أحد الأيام وجد أن العمل توقف، فسأل عن السبب، فقيل له إن المسجد تقوم ببنائه جمعية خيرية ولم يعد لديها مال يكفي لإتمام البناء، فما كان منه إلا أن دفع للجمعية من هذا الحساب الخاص لإتمام البناء، ومن هنا أطلق على المسجد اسم جمال عبدالناصر حيث ضريحه.

وكان يفصل بين مصروف البيت ومصروفات الرئاسة، فالبيت يأخذ من راتبه هو أكل وشرب ومضيفة، أما تكاليف ضيوف الرئاسة فتكون من ميزانية الرئاسة.

وعندما لم تُقبل ابنته منى في الجامعة المصرية طبقًا لمجموعها في الثانوية العامة لم يتم استثناؤها، ولكنه ألحقها بالجامعة الأمريكية، حتى لا يفتح باب الاستثناءت لأبناء المسؤولين».

تحوّل «الدسوقي» عن شخص «ناصر» قليلًا، موجهًا دفة الحوار ناحية إيمانه بفكرة السيدة الأولى، وهنا قال: «كان ناصر نموذجًا للرجل الشرقي الأصيل في مفهوم غالبية المصريين، وفي هذا تكون زوجته في البيت لرعاية شؤون البيت ولا تتدخل من قريب أو من بعيد في الأمور السياسية، وعلى هذا لم يكن يصحبها معه لمقابلة ضيوف مصر من الرؤساء والملوك باستثناء الرئيس تيتو، لأن زوجته كانت معه في زيارته لمصر».

وعن الثقافة النوعية التي ميزته في غير شأن من شؤون المعرفة الإنسانية، شأنه في ذلك شأن زعماء دوليين آخرين، قال الدكتور عاصم الدسوقي: «كان مستوعبًا جيدًا للثقافة المصرية عبر التاريخ فيما نعبر عنه الآن بالوحدة الوطنية، وهذا هو معنى مقولة (المشترك الثقافي الذي يجمع بين المصريين عبر الزمن)، ومن ثم التماسك الاجتماعي. وهذه الثقافة المصرية تتلخص في الاعتدال والتسامح والعدالة، ومن هنا رأيناه يقرر في سبتمبر 1955 إلغاء المحاكم الشرعية والمحاكم الملية، وعرض القضايا المنظورة أمام كل منها على المحاكم المدنية ابتداء من يناير 1956. وتحرر من الشروط العشرة لبناء الكنائس المقررة عام 1934 حيث التقى بالبابا كيرلس السادس، بطريرك الكنيسة المصرية، وقال له: (لك 25 كنيسة كل عام تختار أماكنها)، وأسهم أيضًا في بناء الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وتبرع على سبيل الرمز لبنائها، وطلب من بنائه أن يتبرعوا أيضًا، ولهذا لم نشهد فتنة طائفية في مصر طوال فترة حكمه».

يستطرد «الدسوقي» وينطلق في الإدلاء بشهادته عن الزعيم، ويقول: «من واقع وسطيته فإن الإصلاح الزراعي كان بهدف زيادة عدد صغار الملاك الذي تملكوا الأرض التي يزرعونها لكبار الملاك كل في دائرته، وترك للملاك اختيار الـ200 فدان بأنفسهم، ولم يجردهم من أراضيهم لأن الهدف تجريد الطبقة الاجتماعية من وسائل سيطرتها، وليس القضاء على حياة هؤلاء الملاك. وكذلك عند الأخذ بالتأميم وإنشاء القطاع العام كان لنفس الهدف، أي تجريد الطبقة المسيطرة والتي تتحكم في التمثيل البرلماني، بل جعل من صاحب الشركة رئيس مجلس الإدارة أو المدير العام، ووصف هؤلاء بالرأسمالية الوطنية، ومعنى الوطنية هنا أن أصحاب الشركات وأصحاب الأراضي يلتزمون بالحد الأدنى للأجور ورواتب العاملين فيها شأن باقي شركات القطاع العام، وبالحد الأدنى للأسعار، وهذا هو معنى رأسمالي وطني».

ويواصل حديثه قائلًا: «من المعروف عنه أنه قارئ جيد للكتب وللصحف، وفي هذا الخصوص يذكر جورج فوشيه الذي كتب عن ناصر أنه ذهب إلى الكلية الحربية واطلع على فهرس الإعارة بمكتبة الكلية ليرى نوع الكتب التي كان يستعيرها، فوجد أنها كتب في السياسة والاستراتيجية والتاريخ وتراجم عظماء التاريخ. وفي أثناء الإعداد للثورة كان يقرأ كتابًا ما فيطلب من زملائه قراءة الكتاب ويعقد جلسة لمناقشته معهم».

ويقول: «سيد مرعي يذكر في مذكراته أنه عندما كان وزيرًا للزراعة والإصلاح الزراعي كان يكتب تقارير عن عمله ويرسلها إلى ناصر، فيفاجأ مرعي باستدعائه للمناقشة في التقرير، ويكتشف أن ناصر وضع خطوطًا على بعض السطور وعلامات استفهام هنا وهناك، ثم يسأله. وهنا يعلق مرعي في مذكراته أنه كان يدرس التقرير جيدًا من كل الجوانب ليكون جاهزًا للرد على أي سؤال، ويضيف أنه واصل إرسال التقارير إلى السادات بعد رحيل ناصر، فوجد أن الآخر يستدعيه لمناقشته في التقرير قائلًا له: (القراية موتت عبدالناصر)، ثم يطلب منه قراءة التقرير، ولكن مرعي يعود ليقول: كنت أقرأ والسادات يتظاهر بالاستماع وينصرف دون مناقشة».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية