منذ أن بدأ شهر يناير وكل يوم تقريبا نسمع عن شخص توفى.. أبى أيضا رحمه الله توفى فى شهر يناير.. لذا ارتبط عندى هذا الشهر بعزرائيل أو ملاك الموت.. ولاحظوا أن اسم عزرائيل لم يذكر على الإطلاق فى القرآن الكريم ولا فى السنة النبوية إنما تم ذكره بـملك الموت، {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِى وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} سورة السجدة، الآية 11. ولكن يعتقد أن أصول اسم عزرائيل عبرية، وتعنى حرفيا «الذى يعينه الله». ويعنى أيضا «عبدالله» أو عبدالرحمن وهو الملَك الموكل من قبل الله بقبض الأرواح، وهو آخر المخلوقات والملائكة موتا يوم القيامة.
بما إنى ذكرت ملك الموت كان لابد وأن أقول هذه المعلومة.. وعلى ذكر ملاك الموت فإن أمى عندما كنّا أطفالا وكانت آذاننا تصفر كانت تطلب منا أن نردد: «إن ذكرنى بخير الخير يصيبه.. وإن ذكرنى بشر الشر يصيبه.. وإن ذكرنى ملك الموت فأنا وهو على كلمة أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله». كنت أسألها لماذا علىّ أن أقول هذا؟ كانت تقول لأن صفير الإذن يعنى أن هناك من يتحدث عنك الآن.. فكنت أتعبها بأسئلتى الكثيرة ومنها: «وهل ملاك الموت يا أمى سيذكرنى قبل قدومه؟»، وكانت دوما تجيب «الموت يأتى فى أى لحظة».. ومرت السنوات وكل مرة تصفر أذناى أردد هذا الدعاء. ودون أى صفير تذكرت عبارة أمى وعبارات أخرى ترددها دوما عن أن «الموت لا يفرق بين صغير وكبير»، «الموت علينا حق»، إلى آخر ما يقال من عبارات تدور حول نفس الإطار. ولو فكرنا فى الموت بشكل أعمق لبدأنا بالقول إنه الحقيقة الوحيدة المؤكدة.. هو الأمر الوحيد الذى نعرف جميعا أنه سيصيبنا فنحن جميعا مصيرنا إليه..
وإن كانت كل نفس ذائقة الموت إلا أن كثيرا من البشر يعيشون كالأموات لا يتذوقون الحياة، يسيرون على قدمين، يأكلون ويشربون، يعملون دون كلل من أجل نجاح أكبر أو حساب أضخم فى البنك، تجد قلوبهم تعمل دون أن تنبض فيكسوها الصدأ وتفقد القدرة على النبض بسرعة من الفرحة أو الاندهاش أو حتى الحب، ويتحول القلب إلى وعاء لضخ الدم فحسب.. حكاية الموت الفجأة انتشرت بشكل كبير، ورغم هذا كل واحد فينا يتخيل أن الأمر بعيد عنه، يصيب الجميع إلا هو، نسمع أخبار الآخرين ونتخيل أننا ما دمنا بصحة جيدة أو نسير على أقدامنا فإننا ضمنا سنوات إضافية من عمرنا.. مع أن الحقيقة والوقت والزمن لا يعلمه إلا الله. زوج أختى طبيب قلب، لخص لى الموضوع بشكل علمى إذ قال: «من يصاب بأزمة قلبية قرب معهد القلب فرصته فى النجاة أعلى ممن يصاب بنفس الأزمة فى مكان دون أطباء»..
أنا بالنسبة لى هى ساعة مكتوبة وقد نموت فى غرفة العمليات. ولأن الموضوع مقبض للبعض أقول كى لا أختم بشكل سوداوى لأنه لا أحد يحب سيرة الموت، إنه بما أن الموت علينا حق فعيشوا، الحياة تفاصيل، اهتموا بها، استمتعوا، أحبوا واملأوا قلوبكم نبضات حية، وانفضوا عنها تراب الأيام، احتضنوا أولادكم بشدة، قبلوا من تحبون قبل أن يبعدوا عنكم، قدموا السعادة لمن يحيط بكم، لا تحاربوا أحدا فى رزقه، أكثروا من صدقاتكم، سامحوا من أساء لكم، اغفروا ضعف البشر، وتذكروا أن هذه الدنيا مرحلة نحن فيها زائرون، فيا بخت مين زار وخفف على نفسه وعلى البشرية المحيطة به.