تم تداول تلك الطرفة بين أهل اليسار لسنوات طويلة. طرفة أن الحكم فى مصر اعتاد ولعقود أن يعطى إشارة شمال- أى يوهم أنه يتجه يسارا إلى العدالة الاجتماعية والملكية العامة الفعالة- ثم يتحرك إلى اليمين عمليا.
وبطبيعة الحال فقد ظل الدستور المصرى ينص على أن النظام الاقتصادى اشتراكى ديمقراطى لعقود حتى جاءت تعديلات 2007 فبدلت الموقف وقالت إن الاقتصاد الوطنى يقوم على حرية النشاط الاقتصادى والعدالة الاجتماعية، وكفالة الأشكال المختلفة للملكية، والحفاظ على حقوق العمال. وألغت التعديلات كل ما يخص الاشتراكية والسلوك الاشتراكى وتحالف قوى الشعب العامل إلخ. ماشى ارتحتوا يا أهل اليمين؟.. أبدا.
يسخر الاشتراكى الحقيقى من دولة ما بعد الانفتاح الاقتصادى دولة السداح مداح، والتى تتمحك فى الاشتراكية، ويسخر الليبرالى الحقيقى من نفس الدولة على اعتبار أنها دولة الشمولية والانغلاق والتى تتمحك فى الانفتاح وفى حرية النشاط الاقتصادى. لا هذا مرتاح ولا ذاك وكلاهما بالمناسبة صح.
فالإشارات متداخلة طول الوقت وهى ساعة كده وساعة كده، وأحيانا ما يحكمها المبدأ المصرى الخالد: «بختك يا أبوبخيت»، أى بحسب الموضوع ومزاج هذا المسؤول أو ذاك وخلفيته، وتساهيل أو تعاقيد البيروقراطية، ونمط المصالح السائد، ولهذا يجوز تأويل اتجاه الدولة بأنه يسار مرة ويمين أخرى، ولا اتجاه، أو «بزرميطى» ثالثة.
كان لتعديلات دستور 2007 قصة مثيرة للغاية فقد تمت فى البداية فى الخفاء وبعيدا عن مبارك نفسه، ولأن حكومة نظيف قد أطلقت العنان لتحرير الاقتصاد، فلم يحفل مجتمع الأعمال بهذا الأمر «الشكلى» (أن يتم تعديل دستور بعيدا عن رئيس الدولة وحتى عن الحزب الحاكم ونوابه)، فالبورصات كانت فى قمة الازدهار وقتها، وكما قال ريجان «ما فيه مصلحة وول ستريت فيه مصلحة أمريكا»، وعلى الشاكلة ما فيه مصلحة البورصة فيه مصلحة مصر .الآن ينص دستور 2014 على أن النظام الاقتصادى يهدف إلى تحقيق الرخاء من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية ويلتزم بمعايير الحوكمة والتنافسية والشفافية وتشجيع الاستثمار والنمو المتوازن وتكافؤ الفرص والتوزيع العادل للثمار. زى الفل. لكن لماذا مازال كبار رجال الأعمال والليبراليين منهم بخاصة يتحدثون عن الشمولية والانغلاق؟ ولماذا فزع أهل اليسار مما يقال حاليا عن خصخصة بنوك وشركات منها كما علمنا أخيرا مصر للتأمين؟، وفزعوا مما حدث من قبل من قيام القطاع الخاص نفسه بخصخصة الكثير من أصوله للأجانب والعرب وهو أمر لا يقل خطورة على رخاء البلاد وتوازنها؟.
وما تفسير أنه مع تصريحات الخصخصة الصادرة عقب اجتماع للرئيس تسعى الدولة إلى بناء أصول عامة جديدة وباهتمام خاص من الرئيس نفسه؟. جوائز قيمة تنتظر من لا يشغل بال بالإجابة.