مبكرا، فطن اليسار في مصر إلى أن المرشح المنتظر للرئاسة المشير عبدالفتاح السيسى ليس له ظهير سياسى منظم. القوى المنظمة في مصر هي إما التيارات الإسلامية، ولن يكون لها دور مستقبلا، وإما الحزب الوطنى، ومن الصعب العودة إليه على الأقل في ظل الظروف الحالية. بقية الأحزاب بما فيها اليسار لا تصلح ظهيرا. لعدم ثقة الشارع بها من جهة، ولضعفها الشديد من جهة أخرى.
الدهاء والمكر الشديدان لدى اليسار ركزا جهودهما حول كيفية استقطاب المرشح الرئيس. أطلقوا الجدل العبثى حول الربط بين شخصيته وشخصية الراحل جمال عبدالناصر في الشبه. رغم أنه لا يوجد أي شبه في الحديث. رغم أنه ليس هناك أي تشابه في اتخاذ القرار. رغم أن الرجل لم يكن قد مارس سلطة الحكم بعد.. في المظاهرات والتجمعات حملوا صور الاثنين معا. في اللقاءات التليفزيونية والصحفية جعلوا منها قصصا وحكايات. فرضوها على الرأى العام في الشوارع والمقاهى.
ما أعرفه شخصيا عن الرئيس عبدالناصر أنه تسلم مصر والسودان وغزة في بداية حكمه. قبل أن يرحل كانت قد انفصلت السودان. وتم احتلال غزة. وضاعت معهما سيناء شمالا وجنوبا. وأصبحت قوات الاحتلال الإسرائيلى على مشارف القاهرة.
لماذا، إذن، نحاول الربط بين عبدالناصر، وهذا حاله، والرئيس الجديد. السيسى نعول عليه التقدم للأمام، وليس العودة للخلف كما حدث مع الشبيه المزعوم. كنت أتمنى استنكارا ممن حول الرئيس لهذه المزايدات. إلا أنه يبدو أنها قد راقت لهم.
تحت هذه المزاعم توطدت علاقة هذا التيار الفاشل بمؤسسة المرشح. التي أصبحت فيما بعد مؤسسة رئاسة. راحوا يتصدرون المواقع في لجنة الدستور. شكلوا المجلس الأعلى للصحافة. المجلس القومى لحقوق الإنسان. سيطروا على المؤسسات الصحفية القومية. عملية تمكين طبق الأصل من تمكين الإخوان. تغلغلوا في المراكز القيادية بالحكومات المتعاقبة. كل ذلك بزعم أنهم الورثة الشرعيون للنظام السابق. ولمَ لا؟. والرئيس الجديد قريب الشبه بالمتوفى. طبعا كلها خطط لسلفية من نوع آخر. سلفية اشتراكية فشلت في العالم كله، وسقطت مصر معها. تحاول أن تتعافى، ولكن على استحياء شديد.
الغريب في الأمر أن الرئيس الجديد تحدث عن استبدال العجلة الهوائية بالسيارات. راقت لهم الدعوى جداً معتبرين أنها اشتراكيتهم.. تحدث عن حد أقصى للأجور. راقت لهم أكثر على اعتبار أنهم طوال الوقت حانقون على الستر الاجتماعى.. رفع الأسعار، وبدأ في إلغاء الدعم. لم يفتحوا فمهم بكلمة واحدة. على الرغم من أن عمليات السطو والحرق والنهب التي قاموا بها في شوارع القاهرة عام ١٩٧٧ ما زالت ماثلة في الأذهان.. للتذكرة. كان ذلك في أعقاب رفع الأسعار بضعة مليمات.