مثل كثيرين جداً من الصحفيين والكتاب فى فرنسا وأوروبا والعالم كله.. تابعت حكاية كريستيان توبيرا التى استقالت، صباح أمس الأول، من منصبها كوزيرة للعدل فى الحكومة الفرنسية.. استقالت كريستيان اعتراضا واحتجاجا على تعديل الدستور الفرنسى ليتم إسقاط الجنسية الفرنسية عن أى فرنسى يقوم بأى عمل إرهابى أو يمثل تهديداً للأمن القومى.. وكانت كريستيان قد حاولت إقناع حكومتها ودولتها وإعلامها بأن القانون المدنى الفرنسى الحالى كاف لتحقيق العدالة دون داع لأى تعديلات أو قوانين إضافية.. ولأن أحداً لم يستجب لها قررت كريستيان الاستقالة من الوزارة.. والجميل فى الأمر كله أننا شهدنا خلافا حادا قانونيا ودستوريا وسياسيا وإعلاميا داخل دولة كبرى بحجم فرنسا، دون أن نشهد كم الشتائم والإهانات التى لانزال نشهدها فى مصر لمجرد الخلاف بشأن ما جرى فى يناير 2011 وهل كان ثورة أم مؤامرة.. أو حتى بشأن مجلس إدارة النادى الأهلى، وهل يقبل رئيسه وأعضاؤه البقاء فوق مقاعدهم أم يرحلون بعد حكم قضائى ببطلان انتخابات النادى الأخيرة.. وهناك بالتأكيد أمثلة كثيرة فى بلادنا يمكن التوقف أمامها ومقارنتها بما جرى طيلة الأسبوع الماضى فى فرنسا.. فأى خلاف بسيط فى الرأى داخل بلادنا ومجتمعنا سرعان ما يتحول إلى ساحة مخيفة لاستعراض كل ما هو ممكن ومتاح وقبيح وحقير من تجاوزات وشتائم وتدن فكرى وأخلاقى ولفظى.. بل إنه فى بلادنا أيضا حتى الذين يرفضون قيام أى أحد بعمل غير لائق أو غير محترم نجدهم يقاومون ذلك ويعبرون عن رفضهم وإدانتهم بكل الأساليب الرخيصة وغير المحترمة أيضا.. أى أنهم يقاومون الفعل القبيح بما هو أقبح من الفعل نفسه.. كما لو أنه لم يعد جائزاً فى بلادنا أن نختلف أنت وأنا فى أى شىء..
بداية من الدستور وحتى مجلس إدارة ناد رياضى.. دون أن يضطر أحدنا لممارسة هذا التدنى وتلك الوقاحة وانتهاك الأعراض والخوض فى الذمم والتشكيك فى الأخلاق والانتقاص من القدر والمقام.. وأصبح لدينا كثيرون يتباهون بكل ذلك، والواحد من هؤلاء يقف أمام أصحابه مزهواً بقدرته الفائقة على الرد والانتقام وإخراس الذين يخالفونه فى الرأى.. وللأسف يجد هؤلاء الشخوص من يصفقون لهم، معبرين عن إعجابهم واعتزازهم بهذه القوة والقدرة.. مع أن وزيرة العدل الفرنسية عارضت بصوت عال دولتها وحكومتها فلم نجد أحداً يتهمها بأنها عميلة وخائنة لفرنسا، أو تجد إعلاميا فرنسيا يفرش لها الملاءة ويتهمها بأنها واحدة من الإرهابيين وتنتمى إليهم أو تقبض منهم.. وبالقطع لن تجد أحداً يذيع أى تسجيلات خاصة للوزيرة أو يخوض فى حياتها الخاصة.. الوزيرة أيضاً استقالت ولم تقل إنها ترحل لأن الحكومة فاسدة أو فاشلة، أو لأن فرنسا باتت دولة للقمع والفاشية.. إنما هو خلاف فى الرؤى والمواقف ولا أحد هناك يمتلك اليقين أو كل الحق.. فالديمقراطية تعنى عدم ضرورة أن يتفق كل الناس على رأى واحد أو شخص واحد، بعكس الحال عندنا حيث لا ديمقراطية أو أخلاق سواء كان الخلاف سياسياً أو رياضياً.