x

محمد حبيب الرياضة: لاعب عاشق ومدرب مبدع محمد حبيب السبت 09-01-2016 20:52


الرياضة علم وفن ومهارة وخبرة واستعداد، وقبل ذلك وبعده عشق.. وأى إنسان يمارس نوعا من الرياضة لا يمكن أن يتفوق أو يبرز فيها، إلا إذا كان عاشقا لها متيما بها واقعا فى هواها.. وكما أن التفوق فى الرياضة يحتاج إلى لاعب عاشق، فإنه يتطلب أيضا مدربا مبدعا.. ومع وجود مناخ محفز ومشجع، وإدارة حازمة وغير معوقة، وإيمان بأهمية الرياضة فى حياتنا، تتكامل دائرة التفوق.. أن الرياضة ليست لهوا ولا عبثا ولا تضييعا للوقت أو شغلا للفراغ.. وكثير من الأمم المتقدمة تتعامل مع الرياضة على أنها أحد مجالات الإبداع، بل تعتبرها دليلا على التقدم والرقى.. وفى الدورات الأولمبية التى كانت تعقد كل أربع سنوات، كنا نشاهد تنافسا عالميا، على أعلى مستوى من الأداء، والقوة، والفن، والرشاقة، والجمال..

لقد كانت مصر يوما ما نموذجا عالميا فى رياضة السباحة.. كان لدينا أبطال عبروا المانش، وشاركوا فى سباقات كابرى- نابولى، وغيرها، من أمثال مرعى حماد وعبداللطيف أبوهيف وعبدالمنعم عبده، وغيرهم.. هؤلاء رفعوا اسم مصر عاليا.. وكانت مصر أيضا نموذجا عالميا فى رياضة حمل الأثقال.. وأعتقد أننا لا يمكن أن ننسى بطلنا العظيم خضر التونى الذى انحنى له «هتلر» محييا بعد أن فاز فى أوليمبياد عام ٣٦ ببرلين، ويقول: «وددت أن تكون مواطنا ألمانيا.. أنت مفخرة لبلادك».. وكان لدينا كذلك أبطال على المستوى العالمى فى كمال الأجسام، نذكر منهم على سبيل المثال البطل عبدالحميد الجندى، وفى العقود الأخيرة البطل الشحات مبروك.. ربما كانت كرة القدم ذات شأن يوما ما، يوم أن كان لدينا أبطال من أمثال: عبدالكريم صقر، وأبوحباجة، والسيد الضظوى، وصالح سليم، ورفعت الفناجيلى، وغيرهم.

ربما يتساءل القارئ الكريم: لماذا هذه المقدمة بالذات؟ فأقول: لأن «حسن» كان أحد الرياضيين المبرزين فى لعبة الجمباز، التى كان لها تأثير كبير عليه لفترة طويلة من حياته.. ففى بداية العام الدراسى (٥٧/ ٥٨)، حيث كان «حسن» بالصف الأول الثانوى، جاء إلى المدرسة أحد خريجى المعهد العالى للتربية الرياضية آنذاك، يدعى «محسن».. كان الرجل بطلا فى رياضة الجمباز.. بعد أيام من وصوله أعلن أنه يريد تشكيل فريق جمباز بالمدرسة، وحدد موعدا لاستقبال الطلاب الذين يرغبون فى الالتحاق بالفريق حتى يختار منهم الأشخاص اللائقين.. كان «حسن» ممن سارعوا لتلبية الإعلان.. حضر فى الموعد فى صالة «الجيم» مع عدد من زملائه لا يقلون عن الخمسين..

استعرض المدرس «محسن» الطلاب الراغبين واحدا تلو الآخر، وأجرى اختبارات خفيفة لبعضهم، وفى النهاية وقع اختياره على عشرة فقط، كان «حسن» منهم.. كاد يطير من الفرحة، فقد كانت نفسه تهفو لأن يكون بطلا فى هذه اللعبة.. لقد كان حريصا على مشاهدة أبطالها خلال عروضهم، فهل يأتى اليوم الذى يصبح فيه واحدا منهم؟.. هو يعلم أنها لعبة الرشاقة والجمال، وأنها شاقة وعنيفة وتتطلب لياقة بدنية عالية، وأنه قد يتعرض أثناء اللعب إلى أخطار كبيرة.. مع ذلك، كان سعيدا، فذلك يتفق وطبيعته وهى الاستهانة بالأخطار وحب المغامرة.. كان المدرس «محسن» يجيد لعبات الجمباز الست؛ الحركات الأرضية، والمتوازيين، والعقلة، والحلق، وحصان الحلق، وحصان القفز.. وكان على الفريق أن يتدرب على كل هذه اللعبات أطول فترة ممكنة، خاصة أنه كان واضحا أن مدربهم المدرس «محسن» يريد أن يخوض بهم مسابقات بطولة الجمهورية.. كان التدريب عقب اليوم الدراسى، ولمدة خمس أو ست ساعات، يومى الاثنين والخميس من كل أسبوع.. وقد استطاع «حسن» أن يبرز فى اللعبة، وأن يرتفع مستواه فى وقت قصير، الأمر الذى زاده عشقا لها.. لقد كان فريق الجمباز بالمدرسة الثانوية هو الفريق الوحيد فى محافظة دمياط.. وقد جعله ذلك محط أنظار الجميع.. لذا كان يدعى كثيرا لتقديم بعض العروض فى المناسبات العامة.. وقد قدم حسن وبعض أعضاء فريق الجمباز عروضا جميلة، رياضية وفنية، على مسرح المدرسة، وكان لها صدى رائع..

بالطبع، كان للعبة الجمباز آثارها الإيجابية على حسن.. فقد منحته ثقة عالية فى النفس، كما عصمته من الوقوع فيما يقع فيه الشباب فى هذه المرحلة الحرجة من العمر، أقصد مرحلة المراهقة.. هذا فضلا عن تمتعه بصحة عامة جيدة لأزمته فى فترات مختلفة من حياته.. لقد كان حسن وسيما ومهندما، وقد أضافت إليه رياضة الجمباز جسدا ممشوقا ورشيقا، لدرجة أن واحدا من زملائه الطلاب سأله (متخابثا): قل لى.. كم عدد الفتيات اللاتى أوقعت بهن؟ قال: لا أحد.. قال الزميل معقبا: غير معقول.. ثم أردف قائلا (وهو يغمز بإحدى عينيه): يا عفريت.. أنت لا تريد أن تفشى أسرارك.. قال حسن: لا أسرار ولا يحزنون.. هذه هى الحقيقة.. من ناحية أخرى، لم يستطع حسن أن يعطى للدراسة ما يعطيه لرياضة الجمباز، وهو ما مثل بالنسبة له مشكلة.. للأسف، كان التوازن مفقودا.. لقد كان منشغلا بها انشغال العاشق بمعشوقته.. فهو يجد سعادته القصوى إلى جوارها ولا يشعر بما مضى من وقت وهو يمارسها، ولا يتصور لحظة أنه يمكن فى يوم من الأيام أن يبتعد عنها.. لم تكن لديه أدنى مشكلة فى أن يقطع المسافات الطوال حتى يصل إلى «الساحة الشعبية» فى طرف المدينة.. ولما كان بابها عادة ما يكون مغلقا، فقد كان هو وزملاؤه من عشاق اللعبة يقفزون من فوق السور لكى يمارسوا التدريب على بساط الخضرة.. ولم يكن يمنعهم شىء من ممارسة اللعب فى الحدائق العامة، ولو بملابسهم العادية، حيث كان يتجمع حولهم بعض الفتيان الصغار والكبار.. كان يشعر بالسعادة وهو يقف أو يسير على يديه فى منزله، وأسرته كلها تشاهده.. وقد ظل يفكر طويلا لماذا لا يلتحق بكلية التربية الرياضية، التى كانت آنذاك معهدا عاليا، بدلا من كلية العلوم، إلا أن قدر الله تعالى كان له شأن آخر.

الحقيقة أن حسن كان يتمنى أن تنتشر رياضة الجمباز فى جميع أنحاء الجمهورية، ليس على مستوى المرحلة الثانوية فحسب، وإنما على مستوى المرحلة الإعدادية، بل المرحلة الابتدائية أيضا، حيث تكون الأجسام أكثر مرونة واستعدادا.. نعلم أن هناك فى روسيا ورومانيا والمجر والولايات المتحدة، وغيرها أكاديميات خاصة بهذه الرياضة.. لذا، هى تخرج أبطالا ومشاهير على مستوى عال جداً من الجمال والرشاقة والأداء.. فهل نحلم بيوم تنتعش فيه رياضة الجمباز فى مصر؟ وهل نحلم بيوم نرى فيه أحفادنا أبطالا عالميين فى هذه اللعبة؟ فى تصورى، هذا ممكن لو أن كليات التربية الرياضية عملت على تخريج مدربين كثر على مستوى عال فى هذه الرياضة، ليعملوا بدورهم على نشرها فى المدارس والأندية الرياضية فى طول البلاد وعرضها.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية