x

أحمد الدريني وزير داخلية مصر إلا 200 مواطن! أحمد الدريني الخميس 28-01-2016 21:36


ماذا لو أزحنا وزير الداخلية عن منصبه؟ ثم أحيل مساعدوه للتقاعد؟

ثم ماذا لو أقيل الصف الثاني من قيادات الوزارة معهم؟.. فكر قليلا قبل أن تجاوب.

بل دعنا نطور السيناريو قليلًا بشكر ضباط وأفراد الشرطة عما أدوه للوطن «من خدمات جليلة عبر السنوات الماضية» وقلنا لهم: سنكسبكم كمحامين رائعين بعد خلع الزي الشرطي إن شاء الله.

ثم ماذا لو نسفنا مقر وزارة الداخلية نفسه من موضعه؟ وأنشأنا وزارة الداخلية (from scratch) كما يقولون، أو من نقطة الصفر؟

هل سيتغير شيء؟ سيختفي التعذيب؟ سينضبط السلوك الشرطي عمومًا؟ تختفي الرشاوى والفساد وينتهي عصر التلفيق؟

المفاجأة.. أنه- وعلى الأرجح- لا شيء سيتغير على الإطلاق!

(2)

الأمر ليس قدريًا، وليست ضريبة أبدية فرضتها النواميس علينا.

الحكاية تتعلق في أصلها بالذهنية الأمنية المصرية (بخصائصها العصية على التغيير) والتي توارثها وطورها أجيال من ضباط الشرطة، فيما يشبه تحوير الفيروسات لتصبح أكثر حصانة وقدرة على مواجهة «العلاجات» والأدوية المضادة.

ببساطة: إذا حادت فلسفة الكيانات عن أصلها، يستعصي أي إفساد على الإصلاح فيما بعد.

فعبر مراكمات، يمكن التأريخ لها بالساعة الرابعة عصر يوم 6 أكتوبر 1981، حين دارت ماكينة التعذيب والتنكيل مرة أخرى، بعد طول توقف- وفقا لشهود ومعايشين- لفترة لافتة طيلة عهد الرئيس الراحل أنور السادات، كانت فلسفة الجهاز الشرطي تنعوج رويدًا رويدًا، حتى وصلنا للنقطة التي نحن فيها الآن.

فالتعذيب كوسيلة استنطاق، والتسيد على البشر من منطق الفوقية التي لا مراء فيها للأفاضل الضباط على الأصاغر من الشعب، والاحتقار على عواهنه تجاه الكتلة العريضة من الناس، دون إدراك أن خدمتهم والسهر على مصالحهم هو مصدر دخل وتكسب ضباط الشرطة من ضرائب هؤلاء المواطنين.

في 1954، بدا ضابط الشرطة «يوسف وهبي»، في فيلم «حياة أو موت» في إطلالة صنفها البعض على أنها دعاية للدولة الناصرية التي كانت في مهدها آنذاك، وسعت لتصوير نفسها راعية المواطن والحريصة على حياته، لدرجة تسخير بث الدولة وإذاعتها لإنقاذ حياة فرد واحد فحسب كل ما يملكه من حطام الدنيا أنه «أحمد إبراهيم القاطن في دير النحاس»..

دون أن يكون سليل العائلة الفلانية أو مالكا للثروة العلانية.

لكن هذا الضابط المثالي الخدوم، ذاب رويدًا رويدًا ليحل محله الضابط «البيه» والضابط «الباشا».

(3)

في مقابلة شخصية مع ضابط من قيادات الصف الثاني بوزارة الداخلية، قال لي: الحال لن ينصلح مهما كان الوزير الجديد أو القادم. فالتركيز في حفظ صورة الوزارة ككل وصورة كل ضابط وكبريائه الشخصي على حدة، دون أن يكون هذا الحفظ نابعًا من قيام كل بوظيفته المحددة فعلا، لن ينصلح الحال.

يسترسل الرجل: الأمر بحاجة لإرادة سياسية لا تضطرب ولا تحيد عن قصدها، وتتفهم جيدًا لضرورة أن يكون الجهاز الشرطي احترافيا وقانونيا، كي يصير موثوقا فيه، ومن ثم محبوبًا.

لكن الحاصل الآن، أن عشرات من ضباط الوزارة وشبابها وأفرادها، يرتقون لربهم شهداء في مواجهات شرسة مع الإرهاب دون أن يستدعي الأمر الانتباه والتقدير الكافي من المجتمع.

فكيف تنضبط مؤشرات الوجدان على الحب والتقدير واحترام هذه التضحيات العظيمة؟ دون أن يشوشها هنا وهناك ضابط يعذب في قسم شرطة وأمين شرطة يبتز المواطنين، وذهنية تدير المؤسسة الشرطية دون أن تدرك الآلية المناسبة لمخاطبة الرأي العام؟

ستصل مع المواطنين- والكلام مازال للقيادة- لدرجة من الصدام الحتمي، فكيف يحترمونك وأنت تنتهك حقوقهم؟ وكيف يقدرون تضحياتك –على أقل تقدير- في ظل ماكينة أخبار تلاحق الأخبار السلبية عن الداخلية؟

لدينا ضباط شرفاء ووطنيون، يعتمدون على رواتبهم ولا ينامون إلا بعد أن تطمئن ضمائرهم أنهم أدوا ما عليهم، ولا أقول أن بقية الضباط فاسدون، بل أقول أفسدتهم الظروف، ولوثت معاييرهم حالة التدليل المدعومة سياسيا- عبر سنين- بالصمت عليها.

فماذا لو طال العقاب كل مخطئ ومقصر دون ضغط ملح من الرأي العام؟ ماذا لو اقتنع الضباط فعلا أن هناك إرادة لإنفاذ القانون بعدالة حقيقية وبرغبة أصيلة في حفظ النظام العام والسلم الاجتماعي؟.. صدقني- والكلام للرجل- سينصلح الحال خلال سنوات قلائل جدا، فالضابط المصري- قبل التشوه- محترم ووطني ومخلص وفدائي بطبعه، ويستجيب للخطاب العاطفي والديني بسهولة كي يخدم الناس ويفديهم بروحه.

يختصر الرجل: أصلح الذهنية الأمنية بإرادة سياسية واضحة لا تحتمل التأويل والأخذ والرد والمساومة على «دولة القانون».

(4)

في حوار السيد مجدي عبدالغفار، وزير الداخلية، مع الإعلامي شريف عامر، قال الرجل: «إحنا 90 مليون شخص واختفاء 200 شخص ده إطار طبيعي»..

ربما كان يقصد أن النسبة والتناسب في رقم الاختفاء من مجموع السكان معقولة لأسباب كثيرة ومعقدة، يندرج فيها أمور شخصية كثيرة قبل أن تكون المؤسسة الأمنية هي السبب الرئيسي بالضرورة فيها.

لكنه من ناحية أخرى، يكشف ذهنية الاستهانة بالناس وباختفائهم، بوصفهم أرقامًا فحسب لا بوصفهم بشرًا، الأمر الذي يشكك في مدى «اتزان» تقييم الوزير لمسؤولياته في حفظ حياة «جميع» المصريين، والتثبت والتحقق من سلامة الأفراد في كل مكان داخل القطر المصري.

كما يشكك الرد- من ناحية أخرى- في ذهنية أمنية ترى كل الكوارث كنسبة معقولة قياسا إلى تعداد السكان، كما لو كنا تجار طماطم نحسب عدد الثمار المعرضة للتلف أثناء عملية النقل من المزارع للأسواق.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية