على مساحة 34 فدانًا على نيل القاهرة، فى منطقة منيل شيحة، تأسست شركة النصر لصناعة المراجل البخارية، بقرار من الرئيس جمال عبدالناصر فى عام 1962، لتكون واحدة من ركائز الصناعة الوطنية والبرنامج النووى السلمى، قبل أن تقرر الحكومة بعد 33 عامًا، فى عهد حسنى مبارك، بيعها لتكون أولى شركات القطاع العام، التى دهسها قطار الخصخصة.
قبل خصخصتها، كانت النصر للمراجل البخارية تضم قرابة 2000 عامل، إلى جانب عمالة غير مثبتة، وكانت منتجات الشركة تستخدم فى الصناعات الغذائية والأسمدة والمنسوجات والورق والبتروكيماويات وكانت تمثل قوى محركة للسفن ولمحطات الكهرباء، والحديد والصلب، وكانت الشركة تعد ضمن الصناعات الاستراتيجية، وجزءًا من الأمن القومى.
ومع بدء ماراثون الخصخصة، طرحت الحكومة، فى بداية التسعينيات، شركة النصر للمراجل البخارية للبيع، وفى عام 1995 وافقت على بيعها بقيمة 17 مليون دولار، من بينها 11 مليونًا مقابل الأصول الثابتة، و6 ملايين مقابل مخزون الشركة، وبعد ذلك باع المستثمر الأجنبى نصيبه فى الشركة إلى نظيره المصرى، الذى أعلن إفلاس الشركة، وقرر إنشاء شركة جديدة للاستثمار العقارى للاستفادة من أراضى «المراجل» على نهر النيل.
قال حسن أبوالدهب، قيادة عمالية بالشركة: «منذ عام 1998 بدأت الإدارة الجديدة للشركة فى تصفية العمال على مراحل، تصفية إجبارية، وكانت التعويضات هزيلة تتراوح ما بين 7: 15 ألف جنيه، بينما كانت هناك شركات أخرى، تقدم تعويضات تصل إلى 100 ألف جنيه، وكانت تتبع الشركة القابضة للكيماويات التى تتبعها المراجل».
وأضاف أبوالدهب: «خلال عام 2003 لم يبق فى الشركة سوى 260 من أصل 1700 عامل، 60% منهم إداريون، وبدا أن الهدف من الخصخصة، القضاء على الكوادر الفنية للشركة، من أجل تصفيتها بشكل كامل، وهو ما حدث فى 2008».
من جانبه، أوضح عبدالغفار مغاورى، المحامى، صاحب دعوى استعادة شركة النصر للمراجل البخارية، للدولة: «فى عام 2008 بدأت إدارة الشركة فى نقل المعدات والعمال إلى مدينتى 6 أكتوبر والعين السخنة، تمهيدًا للاستيلاء على الأرض وتحويلها إلى استثمار سياحى وعقارى؛ نظرًا لأن أرضها تقع على كورنيش نيل القاهرة، إضافة إلى ميناء خاص بالشركة، على مساحة فدانين، إلا أن العمال اعترضوا وحرروا محاضر منعت الإدارة من تنفيذ مخططها».
خلال ثورة 25 يناير، شارك عمال المراجل البخارية فى الثورة من خلال ميدان التحرير، ورفعوا لافتات تطالب باستعادة الدولة لشركتهم، باعتبارها صناعة استراتيجية تمسّ الأمن القومى، وفى الميدان التقى المحامى عبدالغفار مغاورى، مجموعة منهم وهم يرفعون لافتات تطالب باستعادة الشركة، وتحدثوا سويًّا وحصل منهم على أوراق قضيتهم، وتولى رفعها أمام محكمة القضاء الإدارى.
وقال مغاورى: «الحكومة باعت الشركة لمدة 17 سنة، وعادت إلى الدولة خلال 77 يومًا، وهو وقت قياسى فى القضاء الإدارى».
وفى 21 سبتمبر 2011، أصدر القضاء الإدارى حكمه بعودة شركة النصر للمراجل البخارية إلى الدولة، وانعقد مجلس الوزراء برئاسة الدكتور عصام شرف، وأعلن احترامه لأحكام القضاء، وأشار إلى أن هذه اللغة موجودة منذ عهد مبارك، يقولون: «نحن نحترم أحكام القضاء، لكنهم لا ينفذونها، والدولة نفسها لا تريد استعادة الشركة أو تشغيلها».
قبل صدور الحكم بعدة أشهر، وبعد خلع مبارك بـ 10 أيام فقط، توجه حسن أبوالدهب، القيادى العمالى بالشركة إلى النيابة العامة، متقدمًا ببلاغ يوم 28 فبراير 2011، برقم 2878، وأشار أبوالدهب، إلى تحويل البلاغ إلى نيابة الأموال العامة، وقررت استدعاء المتهم الأول والثانى، واستجوابهما وتقرر وحولت البلاغ فى مايو 2011 إلى جهاز الكسب غير المشروع، وظل معلقا، حتى 26 مايو 2015، مع إعادة تصدير البلاغ إلى نيابة الأموال العامة، برقم صادر 313، ومازال مصيره غير معروف حتى حتى الآن.
وبعد الحكم باستعادة الدولة الشركة، تقدمت الحكومة بطعون واستشكالات على الحكم، رفضها القضاء الإدارى، وأيد الحكم فى ديسمبر 2012، وقضى بـ«إلغاء قرار خصخصة شركة المراجل البخارية، وبطلان كافة العقود والتصرفات بشأنها مع إلزام الدولة بإعادة تشغيل الشركة على كامل أراضيها فى منيل شيحة، واستعادة جميع الأراضى وعودة العاملين بالشركة إلى سابق عهدهم، والتحفظ على كافة المعدات لحين تنفيذ الحكم»، وهو حكم بمثابة إعدام للخصخصة، حسب مغاورى.
وفى 2014، أصدرت دائرة الاستثمار بمحكمة القضاء الإدارى، حكما قضائيا، برفض قبول الدعوى القضائية المقامة من رئيس مجلس إدارة شركة الخلود للتنمية العقارية والسياحية، التى يمتلكها محمد عبدالمحسن شتا، الشريك المصرى السابق فى المراجل البخارية بعد خصخصتها، والتى يطالب فيها بالسماح له بتعديل نشاط أراضى شركة المراجل البخارية، من نشاط صناعى إلى سياحى وخدمى. وذكرت المحكمة، أن «شتا لم تعد له صفة، ليطالب بتغيير نشاط الأرض، بعد صدور حكم قضائى ببطلان خصخصة شركة المراجل البخارية».
5 سنوات حتى الآن، منذ صدور حكم استعادة الدولة لواحدة من أهم صناعاتها استراتيجية، وارتباطًا بالأمن القومى، إلا أن القرار لم ينفذ على أرض الواقع.
وتابع مغاورى: «لسبب غير مفهوم، يتعامل المسؤولون فى الشركة القابضة ووزارة الاستثمار مع أحكام عودة الشركات إلى الدولة، ومن بينها المراجل البخارية، بشكل مريب، رغم حاجة الدولة لاستعادتها».
وأضاف: «الشركة القابضة تتقاعس، حتى عن تسلم معدات المراجل، رغم أن الشركة الموجود لديها المعدات أرسلت إليهم خطابات، لتسلمها، وأتمنى أن تتسلم القوات المسلحة الشركة، أو تدار من خلال وزارة الإنتاج الحربى، لأنها يمكن أن تعود للعمل بنحو 60% من طاقتها، خلال شهرين فقط، لكنها تحتاج قرارًا بتنفيذ أحكام القضاء».