خمس سنوات مرت على 25 يناير 2011. كانت عصيبة. الاقتصاد متدهور. الأمن مفقود. الخوف من القادم كان أكبر التهديدات بالنسبة للمصريين. المشهد فى سوريا يصيبنا بالرعب. فى ليبيا كذلك. واليمن أيضا. لكننا نتجنب بصورة أو بأخرى أى مقارنة لنا بتونس، التى سبقتنا إلى التغيير.
خمس سنوات شهدت تحولات كبيرة. لكن التساؤلات الرئيسية كانت ومازالت عالقة؟ لماذا انتكست 25 يناير. كيف تم إجهاض المحاولة الأساسية للتغيير السلمى. لماذا لم يبق مبارك حتى سبتمبر؟ من الذى أزاحه؟ من الذى أصر على خروجه قبل إجراء انتخابات مبكرة؟ ونوفر على مصر 5 سنوات عجاف؟
هل هناك فى السلطة من كان يتربص بمبارك؟ هل هناك من تحالف مع الإخوان، واستغل الشباب، وغفلتهم، وقلة خبرتهم واندفاعهم؟ هل هناك من كان يخشى من استمرار مبارك فى السلطة، من كان يخشى عقابه، بطشه؟ هل هناك من قاوم أن تنتقل مصر ويتحقق على أرضها التحول الديمقراطى السلمى؟
تم اقتياد 25 يناير كحركة جماهير، لتقع فى أيدى المتطرفين، كى يستردها صاحبها الأصلى وقتما يريد، وبالطريقة التى حدثت فى 30 يونيه، التى شاركنا فيها ورحبنا بها جميعا، لأن 25 يناير كانت قد تحولت إلى كابوس، وأصبحت 30 يونيه الأمل الوحيد، مثلما كان مبارك الأمل الوحيد فى أكتوبر 81، يوم وقع السادات على المنصة ضحية للإرهابيين الجبناء، الذين سمح لهم الرفاق بأن يعتلوا المنصة ويحتفلوا بانتصارات أكتوبر العظيمة بدلاً من قائد النصر. بدوا وكأنهم يجلسون على جثته فى حفلة ماجنة.
انتهى الحفل سريعاً. صبوا كل غضبهم على الشباب. الذين جرى استخدامهم كسلم للصعود لكرسى الحكم فى 25 يناير وفى 30 يونية. مثلما استغلهم عبدالناصر. ثم زج بهم فى السجون عقب محاكمات الطيران الشهيرة.
ما حدث لـ25 يناير كان طبيعيا. لم يكن هناك أى شىء غريب. الشىء الوحيد الذى كان غريبا هو حسن نوايا الشباب الذين أخذتهم السكرة. وكنت واحداً منهم. قبل أن تواتيهم الفكرة. غمرتهم السذاجة حتى الرأس الذى دفن فى الرمال الآن. ليتسلق نفر منهم على أحبال النفاق. ويقبع آخرون فى غياهب النسيان أو السجون. فلا فرق. ليظل السيد فى هذا البلد هو العجوز المتآمر دائما وأبدا. حتى وإن بدل جلده. وغير اسمه.
إذا أردت أن تبحث فى الأثر عن دليل لـ25 يناير فلن تجد سوى سجن مبارك. وإذا أردت أن تجد دليلا آخر عن 30 يونيه فلن تجد أكثر من سجن مرسى وجماعته. وكأن فى بلادنا نثور من أجل حبس الناس داخل أربعة جدران، وننسى أن مصر كلها مسجونة فى قفص كبير، أسيرة رغبات ضيقة، وشهوانية السلطة. ليظل من لا يعرف يحكم من يعرف. ومن بيده الحكم لا يعرف الحل. ومن يعرف الحل لن يكون يوما فى الحكم. وليس هناك سبيل للجمع بينهما. لأن من فى الحكم يريد أن يظل جالسا فى مقعده. ومن يعرف الحل يريد التغيير المستمر الدائم. ونعيش كبلد من العالم الثالث أو النامى. سمه ما شئت. وكأن مصر يجب أن تظل هكذا؟ وكأن الحياة خلقت على هذا النحو فى الوادى العتيق!.