تتصف الكلاب بالوفاء لصاحبها حيوانًا كان أو آدميًّا، وتوظف كل ما وهبها الله من قوة وحركة ونباح عالٍ في حمايته. غير أن هذا السيد لم يفهم ذلك، كان يبالغ في اقتناء فصائل الكلاب المختلفة، يملأ بها حديقة قصره، يطعمها جيدًا، حتى تتضاخم هيئتها ويعلو نباحها، فيفرح معتقدًا أنه-بذلك- صار في مأمن من اللصوص، وتنسيه فرحته علاج العليل من كلابه، واستقدام مدرب لها، وحتى نظافتها.
تنبح الكلاب كثيرًا في هذا القصر، تارة على سبيل الشكوى للسيد إذا مرض واحد منها، وتارة من الملل، وثالثة من باب استكشاف مهاراتها الصوتية! في كل المرات ينتشي السيد بصوت كلابه، يبتسم في صفاء مصطنع، ويظن أن هذا الضجيج لن يبعد-فقط- اللصوص، إنما سوف يزيد هيبته لدى الجيران. أما إذا انقطع النباح عن قصره، فيأمر السيد بعدم تقديم الطعام إلى كلابه، لتعلوا أصواتها اعتراضًا.
حدث أكثر من مرة أن يموت أحد الكلاب، يبكيه الآخرون، لكن السيد ورجاله لا يفتقدونه، غالبا ما يكتشفون أمره بعد مرور عدة أيام ووضوح رائحة موته. لكن المرة التي مات فيها ذلك الكلب كانت مختلفة، فهو مات مقتولًا بأيدي اللصوص.
بدأت القصة عندما تسلل اللصوص إلى قصر السيد وسرقوا بعض الممتلكات، لم يشعر بهم صاحب القصر لأنه اعتاد سماع نباح كلابه، فلم يظن أن شيئًا غير عادي حدث. وتكرر الأمر، وشرع اللصوص في سرقة مقتنيات شخصية للسيد مرة بعد أخرى، صار الرجل يقابل جيرانه فيسأله أحدهم «أيها السيد، أين ساعتك الذهبية الثمينة؟ هل حقا سرقها اللصوص؟»، ويقول له آخر «أيها السيد، هل اختفت ربطة عنقك الحريرية المرصعة بالألماس؟ هل سرقها اللصوص؟».
انزعج السيد بشدة، وقف في شرفة القصر، صرخ في كلابه أن تصمت، ثم واصل الصياح كأنه يخاطب الجيران الذين خرج معظمهم إلى تفقد الأمر. قال السيد: «أيها الجيران، أنا من تسرقه اللصوص، اللصوص خطرون جدا، لدرجة أن كل هذه الكلاب لم تقدر على مقاومتهم.. اللصوص أشرار وأنا ضحيتهم!»، وواصل «تعرفون لماذا يختصني اللصوص بالسرقة؟ لأنني رجل مهم، نعم.. أنا رجل بأهمية كبرى وثروة طائلة تغري اللصوص بسرقتي»، واختتم «أنا رجل شجاع، لأنني أمتلك كلاب حراسة! هذه الكلاب شجاعة أيضًا، لأنها تحرسني».
انتهت خطبة السيد وعادت الكلاب إلى النباح، لم تفهم شيئًا مما قاله، ربما لم يفهم الجيران أيضا، لكن السيد كان راضيًا عن خطابه وكلابه. في اليوم التالي قابله أحد الجيران، أثنى على خطبته، وأكد عليه الاستمرار في اقتناء الكلاب، غير أنه أضاف اقتراحا لذلك، فقال: «أيها السيد الشجاع، لابد أن تسترد هيبتك، لابد أن تكون حاسمًا وتردع اللصوص قبل أن يهاجموك. أقترح أن تطلق كلابك على كل من يرتدي ساعة ذهبية، علها تكون ساعتك، وعلى كل من يرتدي ربطة عنق حريرية، ربما كانت ربطة عنقك المسروقة».
استحسن السيد الفكرة، وقرر تخصيص ساعات معينة من النهار تفتح فيها أبواب القصر، وتهاجم الكلاب اللصوص المحتملين. غير أن الكلاب لم تفهم صاحبها الذي لم يعرفها من الأصل، فقامت بمهاجمة المارة دون تفريق، بينما السيد يقف سعيدا في شرفته يراقب ذلك وسط ابتسامات واسعة وصيحات متتالية «إنكم لصوص، ربما كنتم لصوصا!».
وجاءت هذه الليلة التي دخل فيها اللصوص قصر السيد مجددا، وكانوا قد علموا بأن الكلاب صارت أكثر نباحًا، وأنه يتم إطلاقها على المارة يوميًّا، فأحضر اللصوص بنادقهم. مرة أخرى تعرض القصر للسرقة، هذه المرة اختفت المزيد من المقتنيات، بدرجة تجعل من المؤكد أن يعرف جيران السيد تعرضه للسرقة، وأيضا قتل اللصوص واحدًا من الكلاب.
حزن السيد كثيرًا على مقتنياته، وظل في قصره خوفًا من الخروج للناس الذين سوف يظنون فيه الضعف عن حماية نفسه وأملاكه وكلابه. لكن شخصًا واحدًا زاره، هذا الصديق صاحب اقتراح مهاجمة المارة. جلس الرجل مع السيد مواسيًا: «أيها السيد العظيم، أنت وكلابك شجعان، اللصوص هم أشرار.. إنهم أشرار لدرجة أنهم قتلوا الكلب، والكلب كان وفيًّا لدرجة أنه تعرض للقتل.. هذا أكثر من الوفاء، هذه بطولة!».
شكر السيد صديقه المنقذ له دائمًا، وقرر إقامة حفل تأبين للكلب الفقيد، ظل الكلاب لا يفهمون ما يجري، فقط اندهشوا من انكشاف موت صديقهم واهتمام السيد بذلك على خلاف الماضي، بل حضوره إليهم والتقاطه صورًا معهم.
في حفل التأبين كان الجيران مدعوين، كانت صور للكلب منفردًا ووسط أقرانه معلقة، وصور أخرى للسيد وسط كلابه. قام أحدهم وأعلن عن شروعه في كتابة رواية (الكلب واللصوص) تخليدًا لبطولة الفقيد. وقام آخر وأنشد قصيدة عنوانها (ليسوا لصوصًا إنهم أشرار) اختتمها بتوجيه الشكر للكلب المقتول والكلاب المملوكة للسيد، وافتعل البعض النحيب، وتظاهر البعض بالبكاء، وكانت جنازة حارة!