لم أستطع أن أقرأ قانون «الصحافة الموحد» الذى استغرق أربع صفحات كاملة دون إعلانات!! ولكن لفت نظرى بعض العناوين لعل أهمها العنوان الخاص بإلغاء «العقوبات السالبة للحرية» واستبدالها بعقوبة الغرامة.
نعم.. منذ مدة طويلة ونحن نطالب بإلغاء عقوبة الحبس للصحفيين.. ولكن استبدالها بالغرامة أيضاً سيف مسلط على رقبة الصحفيين.. لأن الغرامة قد تكون أقسى من الحبس.. الغرامة قد تؤدى إلى غلق الجريدة لأنها لا تستطيع تسديد الغرامة، وفى نفس الوقت حبس الصحفى الذى لم يسدد الغرامة طبقاً للقانون العادى.. يعنى الغرامة معناها الحبس وخراب البيوت.. ويعنى عقوبة لكل من يعمل بالجريدة حتى السعاة وعمال المطبعة!!
- يعنى انتم مش عاوزين لا حبس ولا غرامة؟؟
- لا.. مين قال كده.. ممكن الغرامة بشرط وضع حد أقصى للغرامة لكى تكون «عقوبة حقيقية» للمحرر ولا نخرب بيوت أبرياء!!
أرجو لفت نظر مجلس النواب إلى هذا الأمر حينما تتم مناقشة مشروع القانون.
ثم قولوا لى:
- لماذا تظل الصحافة وحدها من اختصاص المحاكم العادية.. رغم أن نقابة الصحفيين تتضمن لائحتها نصوصا خاصة بمجالس التأديب، من اختصاصاتها إصدار عقوبات أشد كثيراً من الغرامات.. من حق مجلس التأديب فصل الصحفى من النقابة وبالتالى سيجوع هو وأسرته!! عقوبة أشد من السجن والغرامة معاً!!
نفس القانون قرر أن محاكمة أو محاسبة أى قناة مرئية أو مسموعة تكون أمام المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.. يعنى الصحافة فقط أمام القضاء.
مجلس تأديب نقابة الصحفيين لم يجتمع سوى مرة واحدة من أول الأربعينيات حتى الآن.. منذ أكثر من ثلاثة أرباع قرن!! لمحاكمة كاتب هذه السطور فى عام 1961 بناءً على شكوى- أو قل عريضة اتهام - من المرحوم حسن عامر، رئيس نادى الزمالك، يتهمنى فيها بسب وقذف المشير عبدالحكيم عامر، والتهمة هى أن هذا السب والقذف كان بسبب السماح لنادى الزمالك بالاستيلاء على الفدادين التى بجوار نادى الزمالك ورفض ضم أرض المعارض للنادى الأهلى رغم انتقال المعرض إلى أول طريق صلاح سالم.. كان أحد أعضاء مجلس التأديب طبقاً للائحة سكرتير النقابة هو المرحوم إبراهيم البعثى.. وكان قرار المجلس «الشجاع» هو البراءة وعدم قبول الدعوى!!
■ ■ ■
لفت نظرى أيضاً.. اسم القانون «قانون الصحافة الموحد» والمفروض أنه قانون الإعلام بكل وسائله.. الصحافة المرئية والمسموعة.. ومن العناوين يتضح أن القانون يشمله التليفزيون بالذات.
كلمة «الموحد» الآتية بعد كلمة «الصحافة» تؤكد أن الصحف القومية تخضع لهذا القانون أيضاً.. وهذا معناه أن الدولة مصرة على الإبقاء على الصحف القومية رغم كل ما أوضحه الدكتور يوسف بطرس غالى من خطأ استمرار الصحف بالكيفية التى عليها الآن.. واستطاع يوسف غالى غلق دارين رغم أنف صفوت الشريف كمقدمة إلى التخلص من ملكية الدولة لباقى الدور، من أجل إنقاذ ميزانية مرهقة تعتمد على القروض.
ثم كيف ينظم قانون صحفا ملك الحكومة، وأخرى حزبية، وثالثة صحف خاصة.. ملكية خاصة.. كل من هذه الصحف لها سياستها وخصوصيتها وطرق إصدارها وتمويلها، كيف يحكم قانون واحد كل هذه الصحف المختلفة فى كل شىء.
رحمة بغبائى!! اشرحوا لى مفهوم هذه المادة التى تقول:
«استقلال المؤسسات الصحفية.. ويكون تعبيرها عن المجتمع وليس عن الحكومة أو الحزب».
أرجوكم اشرحوا كيف تكون صحفا حزبية ولا تعبر عن وجهة نظر الحزب الذى تحمل اسمه وتعيش على تمويله.. بل.. قل لى: لماذا أصدر الحزب الصحيفة أصلاً إذا كانت لابد أن تكون بعيدة عن الحزب وعن وجهات نظره!!
بل أكثر من هذا.. كيف يكون ممنوعاً على الصحف القومية أن تتبنى وجهة نظر الحكومة!!
ثم هناك عبارة غريبة: «يجب أن تكون المؤسسات الصحفية مستقلة» يعنى إيه مستقلة؟.. كيف تكون الصحف الحزبية مستقلة!! قولوا لى كيف.
■ ■ ■
وبعد..
قال لى بعض أصدقاء العمر، فى التليفزيون بالذات، إن هذا القانون لم يعالج ما يحدث فى ماسبيرو.. رغم أن ماسبيرو يحتاج لأكثر من قانون.. هذا القانون يحتاج لإعادة نظر من مجلس النواب فهل يفعل؟! إنه من أخطر القوانين التى تنظم أخطر مرفق.