x

خالد البرماوي فيديو مالك وشادي.. والفرق بين الخطأ والجريمة؟ خالد البرماوي الأربعاء 27-01-2016 14:53


لأول وهلة، لم يخطر على بالي فكرة أن أكتب عن الفيديو الذي قام بنشره الفنان الشاب أحمد مالك، ومراسل برنامج «أبلة فاهيتا» شادي حسين، بعنوان «هدية الشباب للشرطة في ذكرى 25 يناير»، لأن القصة تبدو بسيطة وتافهة، ويمكن أن تتلخص في جملتين، ويغلق النقاش حولها، ونوفر وقتًا وطاقة.

ولكن الأمر أخذ أبعادًا متشعبة، وتحول لمنظار كاشف للغضب الكامن في الصدور، من الجميع وفي اتجاه الجميع؛ ففي أقل من 24 ساعة أصبحت القصة هي الطبق الرئيسي على مائدة السوشيال ميديا، ثم من بعدها الميديا، فالقنوات الفضائية والناس في الشوارع أيضًا.. نحن نتكلم -تقريباً-عما يقرب من 10 ملايين مصري، تابعوا حتى الآن هذه الواقعة.
لذا، رأيت أنها ربما تكون نموذجًا جيدًا، يمكن ببعض التشريح الظاهري، أن نكشف لأي مدى وصل بنا ترمومتر الانحياز الأعمى والشطط الآخذ في الصعود المجنون.

******

الأضداد
تطور الأحداث وتلاحقها جاء كرد فعل للاهتمام والانتشار الكبير للقصة، فخرجت مئات التصريحات والقصص من كل الأطراف، ما بين مؤيد ومعارض، وما بين داعم ومتوعد، الجميع يقول رأيه، ورأي الجميع في أغلبه منطلق من انطباعات شخصية، وقصص ومواقف سابقة التجهيز، وليس بناءً على صحيح القانون، ومنطق الأشياء، والوقائع المجردة.

فور انتشار الفيديو، ظهر للنور فريقان كبيران متضادان بدآ يعبران عن رأيهما بمنتهى الاندفاع والقوة، دون أن يأخذا بعين الاعتبار أن يتركا بابًا للعودة في حال إذا ما تبيّن عدم دقة المعلومات التي بُنيت عليها آراؤهما.

الفريق الأول يقول هذه جريمة وإهانة لمؤسسات الدولة وأفرادها، والفيديو به تحريض ضد ضباط وأفراد الشرطة، كما جاء في المحاضر العديدة التي تحركت ضد الشابين، والتي طالبت بأن ينالا عقابًا رادعًا، ليكونا عبرة لكل من يتجرّأ على الشرطة المصرية.

وبدأت حملة الوعيد للشابين، وكأنه ثأر شخصي من صفحات محسوبة على وزارة الداخلية والمؤيدين لها، أو ما يُعرَفون بجماعة «الدولجية»، وبدأت تنشر الصورة المأخوذة من الفيديو الذي يظهر فيه مالك وشادي وهما يوزعان بالونات مصنوعة من «واقيات ذكرية»، وبجانب هذه الصورة صور أخرى لجنود «بسطاء» أثناء الخدمة، بالإضافة لصور بعض شهداء الشرطة، لكي يظهر الفارق بين الفعلين.

على الناحية الأخرى، بدأت حملة معاكسة تمامًا، لا تقل قوة عن الأولى، للدفاع عما حدث، حتى مع الإقرار بأنه «خطأ»، وكان منطقهم مبنيًّا على أن الشابين لديهما تاريخ ثوري مشرف أثناء ثورة 25 يناير؛ بل إن شادي، وفقًا لتقرير قامت به جريدة الوطن معه في 2012، تلقى أكثر من 100 طلق خرطوش خلال أحداث فض اعتصام قصر الاتحادية، إبّان حكم الإخوان، لذا ما قاما به مُبرَّر، نظرًا للعداء الشخصي الواضح مع الشرطة.

وأيضًا لأن الشرطة تفعل جرائم واعتداءات أكبر من هذه بكثير، وأخذوا في سرد وقائع لجرائم الشرطة، ووضعوها جنبًا إلى جنب مع صور مأخوذة من فيديو مالك وشادي، ليتضح تدنى الذنب مقارنة بما تفعله الشرطة.

******

حرية الرأي والتعبير
مساء يوم الواقعة، نشرت جريدة «المصري اليوم» تقريرًا بعنوان «هل يندرج فيديو مراسل (أبلة فاهيتا) وأحمد مالك تحت حرية الرأي والتعبير؟»، قال فيه المحامي والحقوقي الأستاذ نجاد البرعي: «ما قاما به لا يُجرّم»، وأضاف أنه يدخل في إطار حرية الرأي والتعبير. لكن مع ذلك يرى «أن الفيديو مُنافٍ للذوق، ويعد هزارًا ثقيلًا، ولكن ليس به جريمة تقتضي حبس من قاما به».

وهنا مربط الفرس، الفرق بين ما يجرمه القانون، وفقًا للقاعدة القانونية «لا عقوبة إلا بنص»، وبين ما يعيبه المجتمع وفقًا للعادات والتقاليد والأصول، فالأول مخالفته تستدعي العقوبة، والثاني فعلٌ قد يستدعي التعنيف أو الانتقاد أو حتى العقوبة المجتمعية، وأحيانًا تكون أقصى وأعمق تأثيرًا من عقوبة القانون.

ما فعله شادي ومالك قد يندرج تحت بند «قلة الأدب»، وفقًا للعُرف المصري، دون إعطاء ما قاما به أكبر من حجمه أو تبريره بتقليل حجمه مقارنة بوقائع أخرى لجرائم الشرطة، مع الإقرار بواقعيتها.

ربما تكون نقطة الضعف القانونية الوحيدة فيما قام به مالك وشادي هو التصوير مع عساكر على سبيل السخرية منهم، إذا كان هذا رأي القاضي، هذا طبعًا في حال ما إذا تحركت دعوى مباشرة من العساكر الذين ظهروا في الفيديو، وليس من طرف آخر، وأثبتوا في دعواهم أن هناك ضررًا مؤكدًا وقع عليهم بعد نشر الفيديو.

وقد يرى القاضي أن الفيديو -وهذا ما أعتقده- من قبيل انتقاد جهاز الشرطة، وهذا وفقًا للدستور محميّ بالمادة رقم 65 «ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو الكتاب، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر».

******

يومين وننسى
وبغض النظر عما ستؤول إليه نهاية هذه القصة، التي من المتوقع أن تستمر يومين أو ثلاثة، ثم ستختفي لتلحق بأخواتها، لكن سيبقى السؤال: إلى متى تتحكم فينا الأهواء الشخصية؟ إلى متى ستكون مواقفنا مرهونة بعواطفنا وليس بعقولنا؟ متى نتوقف عن التعامل مع الأحداث بمنطق مشجعي كرة القدم؟

متى نبدأ في انتقاد الأطراف التي نحسب أنفسنا عليها أو نحسبها علينا؟ متى سنقول أخطأنا/أخطأتم، صريحة وواضحة ومباشرة، دون لكن. دون تبرير أو دفاع ممجوج.

للتواصل مع الكاتب
[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية