حقاً، لا كرامة لنبى فى وطنه، تذكرت هذه المقولة المأثورة، وأنا أتابع الأسبوع الماضى الاحتفاء الأسطورى فى الكويت، بفضيلة الشيخ أحمد الطيب، شيخ الجامع الأزهر، تحوّل احتفال الكويتيين بدولتهم عاصمة للثقافة الإسلامية، إلى الاحتفال بالشيخ الطيب على مدى أربعة أيام، كان خلالها نجما ساطعا فى سماء الكويت، بل فى سماء الثقافة العالمية ككل، تصدرت زيارته عناوين الصحف، ونشرات أنباء التليفزيون، حصل على وسام الكويت ذى الوشاح من الدرجة الممتازة، الذى لا يحصل عليه كل رؤساء الدول، تم اختياره شخصية عام ٢٠١٥ الإسلامية العامة. سمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد قال: إن آمال الأمة الإسلامية معقودة عليك. وزير الأوقاف الكويتى قال: إن الأزهر وشيخه يمثلان المرجعية الدينية الإسلامية.
بالتأكيد العلاقة مع الإخوة فى الكويت علاقة أشقاء، لا تحتاج إلى برهان، إلا أن ذلك الاحتفاء بالرمز الدينى للأمة الإسلامية يؤكد كم أن الكويت حكومة وشعباً، على مستوى المسؤولية، واستيعاباً لطبيعة المرحلة، التى ينهش فيها الكثيرون من الأزهر، ومن شيخه، وما هو مؤكد أيضاً هو أن شيخ الأزهر سوف يجد ذلك التكريم، وتلك الحفاوة، فى كل مكان بالعالم، ليس بالعالم الإسلامى فقط، فمازال للأزهر مكانته فى القلوب والعقول، الإسلامية وغير الإسلامية، باعتباره منارة الإسلام الوسطى، بلا منازع، على مدار التاريخ يلجأ المسلمون للأزهر، وفى الأزمات يلجأ غير المسلمين أيضاً للأزهر، فما بالنا بالمسلمين من غير أهل السنة، وهم الذين يجدون فى الأزهر ملاذهم، حتى فى وجود مرجعياتهم.
إذن نحن لا نتحدث عن أزهر مصر، ولا شيخ أزهر مصر، نحن نتحدث عن أزهر العالَم، وشيخ أزهر العالَم، لسنا أبداً أمام مؤسسة محلية، يدلى بدلوه فيها كل من هب ودب، اسألوا أيها المشككون عن الأزهر وخريجى الأزهر، فى القارة الآسيوية، من إندونيسيا، وماليزيا، وسنغافورة، وباكستان، وأفغانستان، وحتى الصين، والهند، وبنجلاديش، وسريلانكا، والدول الإسلامية فى الاتحاد السوفيتى السابق، اسألوا عن الأزهر وخريجى الأزهر، فى القارة الأفريقية، والمناصب التى يتقلدونها، من موريتانيا، وحتى جنوب أفريقيا، مروراً بمالى، والسنغال، وتشاد، ونيجيريا، والنيجر، وحتى جيبوتى، والصومال، وإثيوبيا، اسألوا عن الأزهر فى القارة الأوروبية، بدءاً من إسبانيا، وفرنسا، وحتى إيطاليا، والفاتيكان، اسألوا عن الأزهر فى الولايات المتحدة، وكندا، بأمريكا الشمالية، والبرازيل، والأرجنتين بأمريكا الجنوبية.
من الظلم إذن أن نطلب من شيخ الأزهر الرد على مهاترات داخلية هنا، أو التفرغ لمؤامرات داخلية أيضاً هناك، قد يكون ذلك هو الهدف، وهو جر الأزهر إلى معارك جانبية، مع مجموعات من المأجورين، أو المهووسين، أو المحسوبين على الإسلام والمسلمين، ولِمَ لا؟ الإلحاد أصبح ظاهرة، فى مناطق عديدة بالعالم، الفارق بيننا وبينهم هو أنهم يجاهرون بإلحادهم، ولا ضير فى ذلك، أما عندنا فهم يُضمرون ذلك، حتى يسهل النيل من الإسلام والمسلمين، اعتماداً على قاعدة، وشهد شاهد من أهلها.
بالفعل، زيارات شيخ الأزهر الخارجية تؤكد أنه لا كرامة لنبى فى وطنه، على الأقل على المستوى الرسمى، فمازلت على يقين أن شيخ الأزهر له ما له، من منزلة كبيرة فى نفوس العامة، فى نفوس الشعب المصرى بمختلف فئاته، إلا أنها الطُغمة المهيمنة إعلامياً، ومالياً، والتى دأبت، طوال الوقت، على تنفيذ أجندات مشبوهة، ويبدو أن دور الأزهر قد حان، فلم يسلم حتى شيخُه، الذى قد يكون آخر المشايخ المشهود لهم، فالأوضاع والاختيارات تنحدر على المستويات كافة.
ما يجب أن يعلمه أولو الأمر هو أن أى انتقاص من دور الأزهر فى الداخل هو انتقاص من حجم الدولة المصرية فى الخارج، كما أن أى انتقاص من شخصية شيخ الأزهر سوف يصب بأسرع مما نتصور فى صالح الإرهاب وفتاوى آخر الزمان، فالأزهر وشيخه، هما آخر ما تبقى للكرامة المصرية، التى لم تسلم من الافتراءات، حتى على مستوى القوات المسلحة، التى باتت تعانى طوال الوقت من الهتافات المناهضة.
هذه هى الحقيقة أيها السادة، يوم أن سمحنا بإهانة رئيس سابق للدولة، كان من الطبيعى القبول بإهانة اللاحق، ويوم أن استمرأنا الهتاف ضد جيشنا، كان من الطبيعى أن يخرج من بيننا، من يستمرئ التطاول على الأزهر، ويوم أن قبلنا بإهانة علماء الأمة، كان من الطبيعى أن تعج الساحة بأنصاف العلماء، الخطأ كل الخطأ أن يتصور أحد أنه بمنأى عن المؤامرات، القضية كلها ترتبط بالأولويات، وقديماً قالوا: أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض.