هذا الرجل هو أول من تصدى لـ«لغز حريق القاهرة»، فهو أول وزير مسؤول قرر - بحكم منصبه الجديد كوزير للداخلية - أن يحقق فى هذا الحدث الكبير والمتشعب.
الصدفة وضعته فى موقع المسؤول المكلف بـ«البحث عن الحقيقة»، فقد تسلم أحمد مرتضى المراغى موقع الرجل الذى كان مسؤولاً عن الأمن فى مصر «فؤاد سراج الدين». جاء الوزير الجديد - وهو نجل الشيخ مصطفى المراغى - إلى الحكم فى وزارة على ماهر التى تشكلت فى اليوم التالى للحريق «27 يناير» بديلاً لحكومة الوفد، التى رحلت فى «خروجها الأخير» عن الحكم.
كان قرر هذا الرجل أن يدخل الوزارة كوزير للداخلية، ليحاول - جاهداً - أن يفك رموز هذا اللغز.
مذكرات «المراغى» التى حملت عنوان «شاهد على حكم فاروق»، كشفت عن «انطباعات» وليس مفاجآت، لرجل كان مديراً للأمن العام بين عامى 1948 و1950، وهى سنوات خطيرة فى تاريخ مصر مازال جزء كبير من أحداثها مثيراً للجدل.. بالرغم من أن صاحب المذكرات اجتهد فى البحث ولكنه.. لم يقدم كل ما لديه!
من بين الوثائق المهمة التى تنفرد بنشرها «المصرى اليوم» وثيقة فى غاية الأهمية، لا أعتقد أنها تنقلت بين أكثر من ثلاثة أشخاص كنت أنا آخرهم!
الوثيقة وصلتنى بين مجموعة كبيرة من «الكراتين»، التى تحمل ما هو مهم، وما هو معدوم الأهمية..!
ظرف أزرق يتضمن تقريراً من 4 ورقات بحجم الفلوسكاب، أعده مدير الأمن العام حسين صبرى «بك» فى يوم 6 فبراير عام 1952، بناءً على طلب من الوزير «المراغى»، حول أحداث يوم 26 يناير.
التقرير اتسم بجزء كبير من الوضوح.. خاصة أنه تمت كتابته بعد مدة لم تتجاوز العشرة أيام من الحادث الجلل.
وفيما يلى نص التقرير:
«سرى.. تقرير هام وعاجل جداً..
مذكرة خاصة إلى حضرة صاحب المعالى وزير الداخلية..
تشرفت بمقابلة معاليكم، أمس، وقد أوضحت لكم الخطوط الرئيسية التى تقتضى الوقوف عليها فى صدد حوادث القاهرة يوم 26 يناير سنة 1952، وهآنذا أتشرف برفعها إلى معاليكم:
أولاً: لما وقع حادث الإسماعيلية يوم 25 يناير 1952 توقعت ما قد يترتب عليه من قلاقل وفتن، فبادرت فى مساء ذلك اليوم بتقديم مذكرة إلى حضرة صاحب المعالى الوزير السابق «فؤاد باشا سراج الدين» أثناء انعقاد مجلس الوزراء، طلبت فيها وقف الدراسة عامة لمدة أسبوع أو لفترة مناسبة، ولكنى أخطرت بعد ذلك أن هذا الرأى لم يؤخذ به وأرجو تدبر ما يلى:
1- إرسال قوات من بلوكات النظام إلى منطقة القنال ومديرية الشرقية واستخدامها فى مقاومة عدوان الجيش البريطانى - كان نتيجة سياسية عامة رسمتها الحكومة القائمة فى ذلك الوقت.
2- صدور الأمر لقوات البلوكات بالدفاع عن نفسها وعن الأهالى ضد القوات البريطانية إلى آخر طلقة - سياسة عامة أيضاً قررها مجلس الوزراء منذ حوادث كفر عبده بالسويس إلى حادث الإسماعيلية فى يوم الجمعة 25 يناير سنة 1952.s
٣- اتضح أن بوليس مصر قد أعاد فى الصباح الباكر قوات من بلوكات النظام مما كانت قد وزعت على الفرق والأقسام إلى ثكناتها، دون أن تحاط إدارة الأمن العام علماً بذلك.
ثانياً: ليس مدير الأمن العام مسؤولاً إذا قصر بوليس مصر فى أداء واجبه تقصيراً عجيباً وقفت معه القوات موقف المتفرج من المآسى التى حصلت مع ملاحظة أنه كانت هناك أوامر بتفريق المظاهرات العدائية التى حصلت فى هذا اليوم فوراً، وبالقوة، مع استخدام جميع الوسائل، ربما فى ذلك استعمال الأسلحة النارية، وقد استخدمها بوليس مصر فعلاً قبل ذلك فى مناسبات قريبة جداً وفى حوادث أقل خطراً.
وتفضلوا معاليكم بقبول موفور الاحترام
حسين صبرى «بك» - 6 فبراير سنة 1952
التقرير إن كان بسيطاً وعاجلاً ولا يحمل تفاصيل قوية، إلا أنه يتضمن مفاجآت مهمة، لعل أهمها هو أوامر «حكومة الوفد» ووزير داخليتها بضرورة تفريق المظاهرات «العدائية» فى هذا اليوم باستخدام كل الوسائل بما فيها استخدام الأسلحة النارية!
ويؤكد «المراغى» فى مذكراته أن هذه التقارير - التى حصل عليها من قادة الوزارة - هى مجرد «دفتر أحوال»، ولكنها لم تتضمن توقعات أو أصابع اتهام تشير إلى جهة أو جماعة.
فعلاً.. «ما كان باليد حيلة»!