يستحق كاتبنا الكبير محمد العزبى عن جدارة لقب لورد الصحافة المصرية.. قلمه يحمل مدادا من الرصاص يطلقه دائماً لنصرة الحق ومحاربة الظلم؛ خاض معارك طاحنة ولم يهب حاكما ظالما أو صاحب منصب وسلطة، ولذلك كان من الطبيعى جداً أن يلقى فى غياهب السجون والمعتقلات هو وقلمه. والغريب أن من يقرأ لمحمد العزبى يتخيله كإنسان جسور قلبه من فولاذ؛ وتصدم حينما تقابله وجهاً لوجه فتجد نفسك أمام إنسان هادئ وديع قلبه يسع الناس جميعاً يستمع أكثر مما يتكلم.
وصلنى كتاب اللورد وعنوانه «الصحافة والحكم» عن طريق صديقى العزيز عصام عمران رئيس تحرير مجلة حريتى. وبمجرد أن بدأت فى قراءته لم أستطع تركه حتى الوصول الى نهايته! الأسلوب سهل وشيق دون إسهاب أو تطويل بل لغة أقرب إلى لغة التلغراف أو تويتر – على اعتبار أن التلغراف لم يعد معروفاً للأجيال الحديثة. لا يتحدث محمد العزبى عن نفسه فى الكتاب فهو كعادته يبتعد عن الأضواء والضجيج فلا تجده ضيفاً فى برامج التوك شو ولا تراه طرفاً فى معارك مفتعله للشهرة؛ وسبيله الوحيد للتعبير عن فكره هو قلمه فقط.
الكتاب خلاصة لفكر صحفى من طراز خاص منحه القراء والمتابعون لكتاباته وسام النزاهة والاحترام؛ وعلى الجانب الآخر يعرفه زملاؤه فى العمل بأن قلمه لا يحيد عن طريقه مهما كانت الإغراءات. ولذلك لم يكن غريباً أن نستمتع معه مرة أخرى بمعارك صحفية سياسية؛ وأسرار لم نعرف عنها من قبل. بل ويكشف لنا عمن كان يكتب خطب وكلمات الرئيس. والجزء الممتع حقاً هو حكاية مدرسة الصحافة وناظرها على ومصطفى أمين. وأعجبنى وصف محمد العزبى للشخصيات التى نعرفها ونحبها، حيث أطلق على مفيد فوزى لقب أسطى الصحافة المصرية. واستطاع العزبى أن يجعلنا نعرف كيف تحولت سلطة الرقيب من مجرد مندوب للسلطة إلى سلطة تفوق سلطات رئيس التحرير نفسه؛ فبتأشيرة منه تدفن أعمدة وبأخرى تسجل شهادة ميلاد أخرى موالية للسلطة وما كان يعرف بالنظام. فكان أجمل ما كتبه مصطفى أمين عن الأعمدة الممنوعة قوله: «يحق للقارئ أن يرفع قضية لأنه اشترى بضاعة ناقصة؛ رغم أنه دفع ثمنها كاملة».
عرفت محمد العزبى صديقاً وفياً أجده فى أوقات الشدة يقدم النصيحة النافعة؛ وهو دائماً على استعداد بالتضحية من أجل أن يسعد الآخرين. حبه للسفر جعله موسوعة فى البلاد والمدن وطبائع البشر؛ وكان من أفضل من تولوا رئاسة تحرير الإجيبشان جازيت؛ التى كانت تصدر بالإنجليزية، وكانت وحدها الصحيفة المفضلة لدى كل أجنبى مقيم فى مصر. وعلى الرغم من أنه لم يعط السيدة سوزان مبارك حقها وهو يتحدث عن كل حريم الهانم والرجال؛ فأنا متأكد من أنه قادر على صياغة الحقيقة إذا ما تبينت له الأمور والحقائق. وكنت أتمنى أن أقرأ حكاياته عن كمال الملاخ وأحمد رجب وأنيس منصور وهم أعظم وأجمل وأهم الكتاب الذين دخلوا حياتى.
وأخيراً أتفق مع بلدياتى الكاتب الدمياطى عباس الطرابيلى أن هذا الكتاب يجب أن يقرأه كل من يفكر فى الدخول إلى بلاط صاحبة الجلالة؛ حتى يعرف سيرة هؤلاء الشرفاء الذين وثق العزبى مسيرتهم ومواقفهم. هذا الكتاب هو درس مهم من لورد الصحافة المصرية.. محمد العزبى.