لست منشغلاً بما إذا كانت 25 يناير 2011 ثورة، أم نصف ثورة، أو حتى ربع ثورة.. وإن كنت أميل إلى الوصف الذى أطلقه عليها الدكتور خلدون النقيب، حين سألته، يرحمه الله، فى حوار مذاع على قناة دريم، عما يراه فى 25 يناير، فقال دون تردد إنها انتفاضة، ولا تتوفر فيها شروط الثورة كما عرفها هو كعالم اجتماع!
وبصرف النظر عن مُسماها، فإن لنا، فى ذكراها الخامسة اليوم، أن نسأل عما تحقق من أهدافها للناس.. هذا هو السؤال الذى لابد أن نجيب عنه، وأن نكون صُـرحاء ونحن نجيب، وألا نخدع أنفسنا!
إذا سألتنى أنت، فسوف أقول إن شيئاً مما دعت إليه لم يتحقق، وإن هذا، فى الحقيقة، هو سر خوف الدولة من ذكراها كلما جاءت، بل هو سر المبالغة فى الخوف من الذكرى.. لأن تحقيق أهدافها، أو حتى بعضها، كان كفيلاً بأن تطمئن الدولة، وأن تضع فى بطنها «بطيخة صيفى»، كما يقال، وألا يصاب المسؤولون بهذا القدر من التوجس، مع ذكراها هذه، ومع كل ذكرى لها مضت!
وإذا كانت 25 يناير، قد رفعت ثلاثة أهداف معروفة، فلا يعنينى الأول، ولا الثانى، ولكن يعنينى الثالث الذى يتكلم عن العدالة الاجتماعية، وعن أنها لابد أن تكون هواء يتنفسه كل مصرى.. لابد.. وسوف تظل 25 يناير مشروع ثورة، لا ثورة مكتملة، حتى يتجسد هذا الهدف على الأرض!
فإذا سألتنى أنت أيضاً عن معنى العدالة الاجتماعية التى أقصدها، فسوف أقول إن المعنى الذى أريده هو أبعد ما يكون عما هو شائع وسائد بين المصريين.. إن الغالبية تعتقد أن العدالة الاجتماعية هى الحد الأقصى للأجور، ومعه الحد الأدنى، وأنها تتمثل فى أن يحصل الموظف على راتب كبير، وأن يحصل المواطن، عموماً، على دخل معقول، وأن يستطيع الحصول على السلع فى الأسواق بأسعار معقولة، وأن.. وأن.. إلى آخره!
لا.. ليست هذه عدالة اجتماعية، ولا علاقة لذلك كله بالعدالة الاجتماعية فى الدول التى يكون للمواطن فيما ثمن!
إن ثمن المواطن يكون حقيقياً، لا زائفاً، عندما يحصل من حكومته على خدمة تعليمية جيدة، ثم على رعاية صحية كاملة، فعندها، وعندها فقط، سوف يكون له ثمن، وسوف يكون قد وضع يديه على المعنى الحقيقى لشعار العدالة الاجتماعية، وكل ما عدا ذلك ضحك على المواطنين!
ولستُ أطلب من الدولة تحقيق العدالة الاجتماعية بهذا المعنى فى خمس سنوات.. لا.. وإنما أطلب مجرد بوادر تقول إن الخدمة التعليمية الجيدة، والرعاية الصحية الكاملة على رأس أولوياتها.. وهو ما لم يحدث حتى هذه اللحظة، لأنه ليست هناك بادرة واحدة، وسوف يظل مسؤولونا يتوجسون شراً من كل ذكرى لـ25 يناير، إلى أن يتحول هدفها الثالث من شعار مرفوع إلى شىء له أثر ملموس فى حياة كل واحد، وسوف تظل الثورة نفسها مؤجلة، إلى أن يتحقق هذا الهدف ونراه بأعيننا!.. وكل ما سوى ذلك تفاصيل!