x

خالد البرماوي إعلام الحرب.. وحرب الإعلام! خالد البرماوي الثلاثاء 19-01-2016 22:09


هل مصر تمر بحالة حرب؟

إذا كنا نقصد الحرب بمعناها الكلاسيكي، وتعنى مواجهة مسلحة مباشرة بين دولة أو مجموعة دول، فمصر لا تمر بظرف مثل هذا، على الأقل الآن، والحمد لله.

ولكن من الحكمة الإقرار بأن مصر محاطة بمجموعة تهديدات خطيرة- بغض النظر عن الأسباب- ولا يمكن أن نُقصِرها على حالة الحُرَيبٌ بين جنودنا البواسل، ومرتزقة داعش في شمال سيناء، فالأوضاع الإقليمية المجنونة التي تطوقنا يصعب معها أن نقول إننا نعيش فترة سلم.

فتقريبا كل جيراننا الذين نرتبط معهم بحدود برية أو نيلية يصعب وصفهم بالأصدقاء، وبعضهم يكن لنا عداءً معلنا. هذا طبعا، غير تهديدات إقليمية خطيرة نتيجة حالة عدم الاستقرار والاحتراب، التي تكاد تمس كل دول منطقة الشرق الأوسط.

إذا مصر تعيش في ظرف يجوز جدا أن نصفه بـ«أجواء حرب»، تؤثر بشكل مباشر على أمنها واستقرارها، هذه واقع مجرد، لا يجب أن نحمله أقل أو أكثر مما هو عليه، أو نتاجر به لأغراض سياسية، أو نستخدمه لاستعادة تجاوزات وقيود أمنية تمثل في حد ذاتها خطرا على الأمن القومي!.

******

هل تختلف المعايير المهنية للصحافة في زمن الحرب، عن السلم؟

ماذا لو استبدلنا كلمة «للصحافة» بـ«للطب»، أو «للهندسة»؛ هل كانت ستشكل فارقا كبيرا؟. الأصل أن المعايير المهنية ثابتة لا تتغير.

ولكن، ليس دائما أصل الأشياء هو واقعها، فعلى الأرض هذا كلام نظري يصعب تطبيقه بصورة مثالية عندما يحدث تماس مع قضايا الأمن القومي؛ هذا ينطبق على كل دول العالم تقريبًا التي تمر بأزمات وحروب.

وبالطبع يحدث في مصر أيضا، بسبب أن البلاد تمر بمرحلة انتقالية، لا تقف عند حدود تحول في المنظومة السياسية؛ ولكن الأهم أن هناك فورة من التغيير تحدث في ثقافة وسلوك الناس، بكل سلبياتها وإيجابيها.

ليجد الصحفيون الراغبون في تأسيس إعلام مهني حر أنفسهم وسط أجواء مرتبكة، يجب معها أن تستمر محاولات ترسيخ مفاهيم وقواعد الحريات العامة، ومنها حرية الرأي والتعبير، مع السعي لوقف سيل التجاوزات من هنا وهناك، الآخذة في الزيادة- للأسف- وليس الانحسار.

وعلى الناحية الأخرى هناك تهديدات كبيرة وحقيقية تمس الأمن القومي لمصر، تهديدات لا يمكن أبدا تجاهلها، ولا ترحيلها.. فكيف المناص؟!

******

التحدي الأكبر الذي يواجه الصحفيون في التعامل مع هاتين المعضلتين السابقتين، هو حالة الشطط التي أصابت أغلب الشعب المصري، وقبلهم أكثر السياسيين والإعلاميين.

حتى إننا أصبحنا أمام كتلتين كبيرتين تحتلان أغلب المشهد؛ إحداهما تهون بل وتنكر وجود تهديدات على أمن مصر، وتستخدم السخرية أو اللامبالاة في تعبيرها، وأحيانا تتجاوز ذلك لحراك على الأرض ليس هذا وقته؛ وعلى الناحية الأخرى كتلة تهول من الأمر، وتغض الطرف بل وتبرر الجرائم التي ترتكب ضد الحريات، بدعوى أن هذه أخطاء «عادية»، وبجب التغاضي عنها مقابل حماية أمن الوطن.

******

ولكن كيف تجد الصحافة التي تريد أن تتعايش وتحتفظ بمهنيتها، طريقا وسط هذه المعمعة؟

بداية، لا مجال للصدام الآن، ولا مجال أيضا للتضحية بالمعايير المهنية، ولا باعتبارات الأمن القومي المنطقية، ويبقى على مسؤولي النشر أو البث أو رؤساء تحرير الصحف أو القنوات أو المواقع الإليكترونية، أن يضعوا بصورة منفردة «سياسية تحريرية» ذكية ومرنة، مع تطبيق معايير توثيق ضعف المعتاد، وتقديم عنصر الدقة على عنصر السرعة، وفق منطق «الدقة في النشر، مقدمة على سرعة النشر».

مع تفهم أن الظرف الذي تمر به مصر يجعل الكثير من المعلومات العسكرية تندرج تحت بند الأمن القومي؛ والمفترض أن يكون هذا لحين من الزمن؛ فمثلا قد يؤدي نشر سبق صحفي حول تكتيك تحركات الجيش المصري في شمال سيناء لتعرض جنودنا للخطر، ولكن هذا لا يعنى أن نتجاهل ما يحدث، أو نكتفي بعرض جانب واحد من القصة.

ولا يعنى أبدًا أبدًا، أن ننشر أي معلومة أو صور أو فيديو، دون أن نستوثق من المصدر، خاصة عندما تطلب الجهة الفلانية أو العلانية أن تنشر أخبارها «مُجهلة المصدر». ولا يعنى أن نستخدم إعلامنا في محاربة فلان أو علان، بدعوة حماية الأمن القومي، فأي أمن وأي قومي هذا الذي يعتمد على نشر الإشاعات والفضائح والتنصت والمحتوى المفبرك!!.

******

أما الجهات التي يحلى لها أن تلعب مع / في الإعلام، يجب أن تتذكر قسوة درس نكسة 1967، الذي جاءبعد رفع سقف توقعات وأحلام الناس بصورة كاذبة، نتيجة نشر الإذاعة والصحف أخبار ومانشيتات نارية من عينة، «الجيشالعربييزحفإلىتلأبيب»، «وقواتنا تتوغل داخل إسرائيل»، و«اسقطنا 43 طائرة للعدو»، وبعده ارتفع العدد لـ 89 طائرة. وبعد أن انكشفت الحقيقة، كانت المأساة والصدمة بحجم الفجوة بين الأخبار المفبركة، والواقع المر.

فالزج بالأمن القومي في كل كبيرة وصغيرة، يفسخ هيبة الكلمة وما تعنيه، وإدارة منظومة الاعلام بعقلية صفوت الشريف قد توجد حالة من الهدوء المؤقت، لكنها ستبقى الاحتقان مدفونا يتحين الفرصة ليثور.

فهل العند الطفولي مع طلبة الجامعات في انتخاباتهم، وحرق أعداد من صحيفة ما، أو حبس الأطفال الذين يرتدون تي شيراتات غاضبة، أو اعتقال أصحاب بوست على فيس بوك، أو توقيف صحفي لتصويره ونش مرور، هل كل هذا يمثل خطرا على الأمن القومي؟ إلا إذا كنا نتحدث عن أمن قومي مدينة البط.

إذا كان هناك حرص حقيقي على الوطن وأمنه، فيجب أن تعي كافة الأطراف أن بلدا بصحافة ضعيفة تُخرج شعبًا ضعيفًا جاهلًا، وبلدًا بصحافة قوية تفرز شعبًا قويًا، ولا أنتم مش عايزين مصر قوية ولا إيه؟!

للتواصل مع الكاتب: [email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية