يقول الفليسوف الإغريقي هيراقليطس «لا شيء دائم سوي التغيير» فالتغيير سنة الحياة أما الثبات والسكون فمن سنن الموت، والشعوب القادرة على صناعة التغيير هي القادرة على المضي قدماً نحو المستقبل، وصناعة التغيير تتطلب اساساً وعياً بالواقع. فهل نعي الواقع الفعلي لمصر، أما سنظل في حالة عراك في أمور لا تقدم ولا تؤخر.
الواقع السياسي المصري شديد التعقيد والغرابة في آن واحد. يوجد فريق يدافع عن الرئيس باستماتة شديدة، وكأن الرئيس في حالة دفاع عن النفس، وفريق آخر يهاجم الرئيس في كل الأحوال، وكأن الرئيس سبب كل المشاكل الآنية والماضية والمستقبلية، وفريق ثالث لا يملك رؤية ولا يقدم حلولاً ودائماً ما يدعم الفريق الأقوي وهو مستعد لتقديم اية تنازلات وهذا الفريق حاضر في كافة المناسبات وله علاقة ما بكافة أطراف اللعبة ولكنه يختفي عند الكوارث.
و ثمة فريق آخر ثانوي يتركه الجميع يطبل ويغني ويرقص لكنه لا يستطيع المشاركة عند جمع الغنائم، فهو دائماً ما يلعب على الحصان الرابح، لكن الحصان الرابح لا يرغب في الأقتراب منه.
تتزايد الفرق في الملعب المصري، لكن فريق المستقبل يبدو غائباً، يحاول المشاركة في المباراة لكنه تارة يستدعي وتارة أخرى يستبعد، ويقرر الرحيل احياناً نحو ملاعب أخرى قادرة على الأستفاده من قدراته ومهاراته.
المشاريع التي يقوم بها الرئيس والحكومة الحالية جميعها تطرق باب المستقبل، الطرق والكباري والبنية التحتية، قد نختلف في بعض التفاصيل لكنها تظل تحمل عنواناً مستقبلياً، فالتقدم فقط هو حليف الفكر المستقبلي، يبقي فقط أن ندعم ذلك ببنية تحتية في التعليم؛ حيث أن التعليم العملي هو القادر على أن يحملنا نحو المستقبل في أمان وسلام.
التفكير المستقبلي ينطلق من فهم الواقع ومعرفة القدرة الحقيقة والإستعانة بالخبراء والكفاءات الحقيقية، يؤمن التفكير المستقبلي بالأرقام والإحصاءات الحقيقية ويقوم بتحليلها حتي يصل إلى نتائج تفتح الأبواب المغلقة، يتعامل التفكير المستقبلي مع الواقع كما هو، لا يُجمل ولا يخطب ولا يتلوي كالثعبان أو يتلون كالحرباء فهو واضح ومباشر ولذا يخشاه رجال الماضي.
يرتبط المستقبل ارتباطاً وثيقاً بالشباب، والشباب يرتبط بالطاقة والفعل والعنفوان، ومصر دولة شابة، لكن في واقع الأمر الشباب فكرة وليس فقط رقماً، فمازال دكتور مجدي يعقوب شاباً، فهو يعمل وينتج ويتحرك، وظل الكاتب الكبير على سالم ينتج ويكتب حتي الممات، وأيضاً محمد الشوربجي بطل مصر والعالم في الأسكواش شاباً موهوباً، ففكرة الشباب مرتبطة بالتحقيق والإنجاز والحركة وليس الرقم، فطالما يتحرك الإنسان للأمام تتحرك معه الحياة.
لن تبدأ النهضة الحقيقية في مصر إلا حين يقود الدوري المصري فريق المستقبل، ويتكون هذا الفريق من العلماء والمفكرون والمبدعون، ويُطرح عنه كل الدجالين والأفاقين، وينتظر الجميع في ساحة القصر حين يقرر الملك المتوج أن يستعين بهؤلاء القادرون على صناعة التغيير في زمن غاب عنه الشباب وطل علينا بعض الهاربين من القبور، فهل يقضي علينا الموتي أم نحيا من جديد؟.
شريف رزق