لابد أن تبحث عن الفاشل الذى أراد لنا ألا نسترد أموال مبارك من الخارج، ليس لتعنيفه أو إلقاء اللوم عليه، ولكن لتشكره على براعته أن يدخل بنا دوامات اللجان «التصرف الكلاسيكى المصرى للتعطيل» لكى لا نحصل على شىء، ويكتفى فقط السادة الأعضاء بأن يشمو ريح الخارج وهواءه العليل مع جولات فى شوارع الشوبنج فى عواصم الرفاهة من فلوسنا «من اللحم الحى»..!
هذا البارع أو تلك الجهة البارعة جمدت الموضوع فى «فريزر الانتظار» لنفاجأ بأننا نستقبل بعد 5 سنوات، تخيل 5 سنوات، صاحب المنصب القضائى الأرفع فى سويسرا لنسأله على الملأ «فين فلوسنا» فيرد الرجل بأريحية كما تعود ملتزماً الصدق الصراحة والوضوح فيقول كلاماً فاضحاً «الجانب السويسرى تقدم بحوالى 30 طلبًا للمساعدة القضائية للسلطات المصرية، للحصول على معلومات تساهم فى إقامة ربط بين الأنشطة الإجرامية والأموال المجمدة فى البنوك السويسرية».
30 طلباً يا مؤمن، يعنى من الآخر «يا مصريين إدونا الإثباتات واحنا تحت أمركم»، ولهذا أستغرب كيف لنا أن تتحرك الحكومة فى ملف مهم كهذا الآن، رغم أن قضية القصور الرئاسية نفسها لم تجد نفس الحماسة لدى كثيرين فى الدواوين، بل إن الشخص الذى أثارها يعاقب حاليا على أفعاله فى محاربة الفساد..!
التصريح السويسرى يشى بأمرين إما تآمر أو تواطؤ من كافة الحكومات السابقة لإخفاء جرائم نظام مبارك، أو إهمال يتعلق بقدرات الأشخاص الذين تم اختيارهم لعضوية لجان الاسترداد للدرجة التى قرر معها الرئيس السيسى أن يشكل لجنة جديدة بقرار جمهورى جرى إعلانها مؤخرا بقرار من شريف إسماعيل، أى أن المحصلة لم تكن شيئا يذكر فى البحث عن الكنز المفقود فى بنوك أوروبا..!
وبعد الإحراج السويسرى الذى لا يختلف كثيرا عن برودة مرتفعات جبال الألب وبحيرة جنيف، يضعنا فى تساؤل يتعلق بالمستقبل، فالشرط للحكومة السويسرية أن تجد حكومتنا دليلا واضحا للربط بين الأموال الموجودة فى بنوكهم هناك والجرائم التى ارتكبها هؤلاء فى حق المصريين، أى أننا نبدأ رحلة البحث عن هذا الدليل بعد 5 سنوات وكأن الأدلة تنتظر هذه اللجان أو تلك لتكشف عن نفسها، أو ترتدى ملابسها لتخرج من صندوق الذكريات لتتقدم بخطى واثقة إلى أى لجنة «انتوا فينكم من زمان»..!
تحقيقات استقصائية نشرت فى صحيفتى المصرى اليوم والوطن- من خلال زملاء نابهين تشرفت بالإشراف على تحقيقاتهم- عن أموال مبارك وعائلته، تكشف عن تهريب هذه الأموال عبر شركات الأوف شور فى جزر النعيم الضريبى، ومن خلال شبكات معقدة من الأشخاص والكيانات فى دول عربية وأوروبية. الخروج المنظم للأموال جرى عبر إدارة محكمة لا يعرفها سوى مصاصى دماء الشعوب، وبنفس أساليب المافيا وشبكات تبييض الأموال القذرة، عودوا إلى هذه النصوص فإنها استخدمت منهجية أعتقد أنها غابت عما فعلته تلك اللجان التى صدعتنا بتصريحات استرجاع الأموال، النصيحة عامة للجميع بمن فيهم هؤلاء الذى سيسافرون قريبا إلى أوروبا لجولة أخرى، ولا ينسون أن يذهبوا إلى نصب «الكرسى المكسور» فى جنيف لكى يتذكروا أننا جلسنا على كرسى مثله عندما انتظرنا ما لا يجىء..!
المسألة تدعو للسخرية فحتى الحكم على مبارك فى قضية القصور الرئاسية بإدانته القاطعة بالفساد من أعلى محكمة فى مصر لن يكون كافيا للجانب السويسرى «سنخضع الحكم للدراسة وسوف يستغرق الأمر وقتا طويلا، الموضوع معقد لكنه لا يعنى فقدان الأمل» لكى يدفع إلينا بأموال عائلة مبارك الراقدة بالقرب من بحيرة «جنيف»، إذن نحن نبحث عن الأوهام، والوحيد الذى تمسك بالواقع وتعامل معه بذكاء كان هو من قرر أن يضع النهاية قبل أن تبدأ فصول مسرحية استعادة أموال مبارك..!