x

سعيد السني أول القصيدة كُفر سعيد السني السبت 16-01-2016 21:10


كما لو كنا بالفعل أمام «سيرك أو شادر بطيخ».. الوصف هنا مقتبس من النائب المخضرم كمال أحمد فى معرض تفسيره أسباب استقالته الصادمة والمرفوضة من البرلمان، والذى أضاف بأنه «استشعر ضغوطاً على المجلس للاستحواذ عليه»، وكأن النائب المستقيل أراد أن يدق الجرس إنذاراً بأن هذه الضغوط، وهذا العبث الذى شاهده الملايين على مدار الـ36 ساعة الأولى من رئاسة الدكتور على عبدالعال لمجلس النواب، لا يليق بمجلس تنعقد عليه الآمال للنهوض بمصر وإصلاح أحوال المصريين.. فقد بدا «عبدالعال» مُفتقداً القدرة على ضبط الأمور وإدارة الجلسات، متخبطاً.. يكاد يلازمه «مُلقن» كما فى المسرح، ربما لفتاً إلى بنود اللائحة أو تنبيهاً أو نقل رسالةٍ ما، ولا يكُف عن تذكيرنا بشكل مُمِل بأنه أستاذ قانون دستورى، مع أن الشواهد تقطع بأنه لا يقيم للدستور وزناً، وليس أدل على هذا من واقعتين.. أولاهما: قرار منع البث التليفزيونى للجلسات وإضفاء السرية عليها، وهو أمر لم يحدث حتى فى برلمان أحمد عز (2010) الموصوم بأنه وراء سقوط مبارك.. أما الثانية فكانت عندما رفض «عبدالعال» أن يعطى المرشحين لوكالة المجلس فرصة التعريف بأنفسهم.

وإذا كانت العلوم الاجتماعية تفيدنا بأن «المسلك اللغوى للفرد»، وليس المقصود التزامه بقواعد النحو، فإذا كان وزير التعليم يرتكب أخطاء إملائية، فلا يمكن اللوم على رئيس البرلمان إذا وقع فى أخطاء نحوية.. لكن المعنى أعم وأشمل وهو مضمون خطاب الفرد، سواء كان شفوياً أو تحريرياً، إذ يُعبر أصدق تعبير عن اتجاهاته وميوله والقيم التى يؤمن بها.. ومن هنا يبين لنا أن قرار «منع البث» يصادر الحق الدستورى فى «المعرفة» وممارسة «الرقابة الشعبية»، وهذه الأخيرة لا تقوم إلا بناءً على تداول سلس للمعلومات، بمعنى الوقوف على ما يدور داخل البرلمان، ولا يغير من هذا أن يتحجج «عبدالعال» بتلقى «طلب من 40 عضواً» لمنع إذاعة الجلسات تليفزيونياً على الهواء، فهذه الحجة السخيفة لا تبرر له والبرلمان انتهاك الدستور، الذى يتباهى «عبدالعال» بأنه من واضعيه، وشُراحه ومُفسرِيه.. من زاوية أخرى بمنظور علوم الاتصال والاجتماع والنفس، فإن القرار يعنى أن الرجل لا يؤمن أصلاً بحق المواطن فى المعرفة والاطلاع على شؤون البرلمان، مع أنه فقيه مُعتبر فى القانون الدستورى.. الأكثر إيلاماً هو أن رئيس مجلس النواب فى رفضه لحق المرشحين لوكالة المجلس بتعريف أنفسهم، قال وكرر أكثر من مرة مخاطباً إياهم: «كل واحد يقول اسمه بس.. إحنا كلنا عارفين بعض»، وهذه الجملة الأخيرة تشى بأن «أول القصيدة.. كُفر»، فالرجل يرى أن مسألة انتخاب وكلاء البرلمان، ومن ثم التعرف عليهم، هى من خصوصيات المجلس، فإذا أضفنا إلى ذلك القمع الذى شاهدناه للنواب والتعامل معهم على أنهم مجرد تلاميذ صغار فى مدرسته، مُنكراً عليهم حق التعبير عن آرائهم.. فإننا نكون بصدد برلمان يثير الإحباط ويسهم فى تعقيد الأمور وتأزيمها بأكثر مما هى مأزومة.. ويكون لزاماً على القابعين وراء الستار الذين أشار إليهم النائب المستقيل كمال أحمد أن يخففوا ضغوطهم، سواء على البرلمان أو رئيسه.. فهذا أسلم وأصلح للبلاد. نسأل الله السلامة لمصر.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية