فاجأت كوريا الشمالية العالم - وقبل يومين من عيد ميلاد الرئيس كيم جونج أون زعيم الدولة - بإجراء أول تجربة لقنبلة هيدروجينية فى تاريخها، وبهذا دخلت كوريا الشمالية مرحلة جديدة من مراحل التسليح، غير مسموح بها طبقاً لاتفاقية منع الانتشار النووى التى وقعت عام 1970 لمدة 25 عاماً، ثم تم تجديدها إلى ما لا نهاية عام 1995، وهى قضية قد نفرد لها فى المستقبل عددا من المقالات نظراً لأهميتها ولأنها تمثل أحد الاتجاهات المهمة فيما يتعلق بقضايا التسليح، ولكن فى البداية يجب أن نرسم خريطة للقوى النووية فى العالم وأن نوضح بعض القضايا المهمة فى هذا الشأن. لقد سبق أن أوضحنا أن القضية النووية هى «مباراة صفرية»، بمعنى أنه إذا أمكن حصر البرنامج النووى غير السلمى لدولة ما بشكل كامل، فيمكن التعامل معه، أما إذا لم يمكن ذلك فمن غير الممكن التعامل معه بالقوة، وهو الأمر الذى تستعين به كوريا الشمالية - وغيرها من الدول - لتطوير قضايا التسليح، وبصفة خاصة التسليح النووى، إضافة لوجود من 20-30 ألف جندى أمريكى متمركزين فى كوريا الجنوبية، الأمر الذى يجعل من المحال على أى رئيس أمريكى إصدار الأمر بالتعامل بالقوة مع مثل هذه القضايا حرصاً على حياة القوة الأمريكية.
فإذا انتقلنا إلى الخريطة النووية فى العالم فسوف نجد الآتى، من أوروبا: هناك عدد من القوى النووية المعترف بها طبقاً لاتفاقية منع الانتشار النووى؛ هى الولايات المتحدة، وروسيا الاتحادية، والمملكة المتحدة، وفرنسا، الأمر الذى يوجد نوعا من التوازن النووى فى القارة يؤدى إلى إمكانية سير الحركة بشكل طبيعى، وفى آسيا: هناك قوتان نوويتان معترف بهما طبقاً للاتفاقية هما روسيا الاتحادية، والصين، وثلاث قوى نووية بالأمر الواقع خارج الاتفاقية هى الهند وباكستان وكوريا الشمالية، أما فى الشرق الأوسط فهناك قوة نووية وحيدة مؤكدة هى إسرائيل، الأمر الذى يوجد تهديداً مستمراً لدول المنطقة من هذه الدولة التى تدعمها الولايات المتحدة، والأمر الوحيد الذى تتفرد به كوريا الشمالية هو انتقالها من المستوى النووى إلى المستوى الهيدروجينى، الذى يجعل منها ذات طبيعة خاصة من تعاملها مع الدول الأخرى، وفى تعامل الدول الأخرى معها، وهو أمر شديد الخصوصية والخطورة.
وتعتبر القنبلة الهيدروجينية أخطر أسلحة التدمير الشامل التى تم تطويرها حتى الآن، حيث تتميز بقوة تفجيرية شديدة، وقوة تدميرية هائلة، وتصنّع القنبلة عن طريق تحفيز عملية الاندماج النووى بين نظائر عناصر كيماوية لعنصر الهيدروجين، وينتج عن ذلك طاقة جديدة شديدة الخطورة تفوق الطاقة الناجمة عن الانشطار النووى. ويدعم خطورة هذا الأمر وجود وسائل الحمل التى يمكن أن تنقل القنبلة «نووية أو هيدروجينية» إلى منطقة الهدف، ووسائل النقل بشكل عام هى الصواريخ أرض/ أرض، وقاذفات القنابل متعددة الأغراض، وفى بعض الدول الغواصات التى تجوب المسطحات المائية، وتملك كوريا الشمالية عددا لا بأس به من الصواريخ، التى تتتابع عملية تطويرها، والتى يغطى مداها الأهداف المطلوبة، إضافة لقوة جوية مناسبة تسمح بمثل هذا الاستخدام. وبصفة عامة، فقد وضعت بيونج يانج العالم بصفة عامة، ومنطقة آسيا والشرق الأوسط بصفة خاصة أمام اختبار صعب، كما جعلت العالم كله يراجع قضايا الأمن والاستقرار وأسلوب التعامل - والتكيف - مع مثل هذه التطورات التى تحدث فجأة، فلا جدال أن خلل التوازنات الذى نتج عن عملية التفجير الهيدروجينى هذه، سيجعل دول المنطقة تعيد حساباتها، كما تحاول إعادة صياغة التساؤل الأهم فى هذه المرحلة، وهو: هل تستمر فى محاولة إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل، أم تفقد الأمل فى هذا الهدف وتحاول التفكير فى كيفية إيجاد توازن مقبول للحفاظ على أمنها؟، ولا ننسى أن هناك دولا فى منطقة الشرق الأوسط إما وصلت إلى القدرة النووية «إسرائيل» أو على طريق الوصول إليها «إيران على سبيل المثال»، ولتوضيح هذه المعانى فسوف نتناول فى مقالاتنا القادمة عددا من الترسانات النووية، مثل البرنامج الإسرائيلى، والبرنامج الإيرانى، وتجربة البرنامج العراقى الذى كان خلال فترة حكم صدام حسين للعراق. وفى كل الأحوال، فإن القضية النووية هى إحدى قضايا مصر، وتشمل القضايا الأخرى عمليات التنمية والتطور الاقتصادى، والعناية بالشباب، ونجد ذلك من المواضيع التى سوف نتناولها مستقبلاً، ولا ننسى هنا أن نهنئ الشعب المصرى على مجلس النواب الجديد، الذى دلت أحداث جلسته الافتتاحية رغم كل النقد الذى وجه إليها، على بدء مرحلة جديدة نقية من العمل البرلمانى، وعلى تكامل السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية.
د. أحمد عبدالحليم