x

سيلڤيا النقادى من عقل «طفل فى الشارع» سيلڤيا النقادى الجمعة 15-01-2016 21:19


«من عقل»... نظرة عن قرب داخل أعماق بشر مثلنا.. تحكى تجاربهم قصصا من حياتنا.

عمرى...؟؟ أعتقد ست سنوات.. ربما لم أبلغها بعد.. هكذا قالوا لى.. من هم؟؟.. ناس أعيش بينهم.. فهكذا وجدت نفسى، أحياناً بين أفراد، ليسوا أهلى.. ليسوا من دمى.. كيف أتيت هنا؟؟... لا أحد يجيب.. ربما لا أحد يعرف!! المهم هكذا وجدت نفسى طفلا يجوب الشوارع مسحوبا.. حافى القدمين متسخ الوجه والجسد فى ذيل امرأة أناديها أم «محمد» تحملنى أحياناً عندما أبكى ويزعج صراخى المارة والسيارات من حولى؟، فهكذا تنجح فى كتم صوتى، وأنجح أنا فى ملامسة جسدها حتى وإن كان بارداً!!. فكم أشتاق لهذا اللمس وهذه الأحضان التى لا أعرفها، أشاهدها فقط عندما يلتصق وجهى بزجاج السيارات التى أمد يدى للشحاذة من أصحابها فأجد أطفالاً فى سنى يسكنون بهدوء بين صدور دافئة وأذرع حنونة.. ترى هل هن أمهاتهم؟؟

تنادينى «واد يا أحمد» أحياناً تقول لى «يا واد» فقط، لذا اعتقدت أن اسمى مرة واد ومرة أحمد حتى فهمت العلاقة بينهما.. أنا أيضاً أشارك أطفالا كثيرين مثلى نفس الاسم فجميعنا يطلقون علينا «أطفال الشوارع»!.

أبدأ يومى فى الصباح الباكر بالبحث عن فطورى فأنهش معها مثل الكلب الضال فى أكوام الزبالة المجاورة لمأوانا الذى يتغير مكانه ربما كل شهر.. وتلتقط عيناى الصغيرتان نظرات القرف والاشمئزاز من الأطفال وهم فى طريقهم إلى مدارسهم، فأنا لا أختلف كثيراً عن محتوى هذه الأكوام بالنسبة لهم.. وكم أرغب يوماً أن أصرخ فى وجوههم أسالهم إذا كانوا يعرفون لماذا يكون فصلى فى الشارع وليس فى المدرسة؟؟ لماذا أتعلم فنون الشحاذة ويتعلمون هم فنون الحياة!!. لماذا يركلنى وينهرنى أحدهم وأنا أستعطف للإحسان؟؟.. ربما لا يعلم أننى أحلم أن هذا القرش قد يأتى لى بالفراش الدافئ النظيف وبالحلوى التى يمسكها الأطفال أمامى. ربما وأنا ألصق وجهى فى نافذة السيارة أحلم أن أكون بداخلها وأرتدى حذاء لامعا جميلا.. بجوارى شقيقى وأطفال آخرون يضحكون.. سئمت البرد الذى يهزل ضلوعى الصغيرة وأصم أذنى كل يوم وأنا أسمع صراخ صغيرات مثلى ينتهكن بألعاب الكبار!!..

صاحبى وزميلى يكبرنى بعامين كما أعتقد... يدخن السجائر ويشرب الكحول ويبيع البانجو.. ويا ويله إذا عاد خالى الجيوب فأسمع صراخه وبكاءه وهو يفقد أعز ما يملكه الرجال!! فأخاف وأرتعد لمصيرى المحتوم.. وعندما تتركنى أم محمد ألعب مع أطفال الشارع أسمعهم يحكون عن حكاياتهم التى أصبحت على كل لسان.. برامج ومؤتمرات، وزراء ولجان.. مراكز وإصلاحيات!!.. ولكن يبقى الحال كما هو عليه.. يكبر الأولاد وتكبر البنات.. الكل ماشى مكسور.. الكل عنده حكاية يشاركها مع غيره.. قصص حزينة مسلية لا تنتهى.. ف ده محمد عنده إيدز «لقطه» من سرنجة ملوثة.. ودى فتحية لسه خارجة من الأحداث - قضية دعارة – وفتحى أحداث برضو- حرامى – وهبة وموزة بيلفوا حشيش.. أما محمود ضايع ومدروخ على طول من اللى بيبلبعه!!

ها هو مصيرى الذى أنتظره. فلا تنظر لى باحتقار ولا تنهرنى وأنت جالس على مقعدك.. لا تجعلنى أجرى خلف سيارتك فتفتح سنتيمترات من نافذتك تقول لى «إمشى من هنا يا ولد».. فهذا القرش هو سبيلى الوحيد للبقاء فلا تندم أو تحزن بعد ذلك عندما تجد صورتى يوماً أحمل سلاحاً وأرتدى وشاحاً وفى يدى علماً أسود أيضاً فقد كنت طفلاً جائعاً.. ضعيفاً.. وحيداً.. يحتاج من يضحك معه وليس من يضحك عليه.. الحياة لم تترك لى مكاناً آخر أذهب إليه.. مكانا آخر ينشلنى من هذا الشارع... وربما يأتى اليوم الذى أذكرك فيه أننى قائد الغد صاحب الوشاح الأسود الذى ترتعد منه!! فأنا الذى درست فى الشارع.. أنا الذى تعلمت معنى الحياة من الشارع.. وأنا الذى أصبحت هكذا جزءا من الشارع!! فافتح النافذة وطل منها على أطفال يسكنون فى الشارع، وقل لى إذا كانت تروقك لغة الشارع!!

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية