فى زيارات سابقة لى لسوريا الجريحة الحبيبة والصامدة، كثيرا ما كنت أتوجه إلى محلات بيع الملابس الجاهزة بغرض الشراء، كنت أجدها دائما عامرة بأرقى وأحدث الأزياء والأقمشة وأفضلها سعرا. وفى زيارة أخيرة منذ سنوات وقبل أحداثها الأخيرة لاحظت تراجعًا كبيرًا عن هذا المستوى المتميز وانصرافًا من السوريين عن ارتياد هذه المتاجر والشراء منها، سألت عن السبب وكانت الإجابة أن الحكومة السورية كانت تحظر استيراد الملابس الجاهزة لصالح التصنيع المحلى، لذا تبارى أصحاب المتاجر فى اجتذاب الزبائن بأفضل الأقمشة وأحدث الابتكارات المتفقة مع خطوط الموضة العالمية لكنها تراجعت عن هذا القرار وفتحت السوق للاستيراد وانتشرت أفرع المتاجر الأجنبية، وهجر السوريون صناعاتهم المحلية لهذا الجديد الوارد المنافس بأسعار وأساليب مبتكرة وكانت النتيجة السريعة تراجع الإنتاج المحلى شكلاً وموضوعاً.
تذكرت ذلك مع القرارات الأخيرة لوزير الصناعة والتجارة المهندس طارق قابيل التى أعلن فيها منع استيراد ما يقرب من خمسين سلعة، منها هذه الملابس الجاهزة ومنها بعض المنتجات الغذائية ومستحضرات التجميل والمياه المعدنية ولعب الأطفال... إلخ، وأعترف بأننى لم أوفق فى فهم معنى حظر الاستيراد ــ وفق ما جاء بالقرار ــ وإباحته فى نفس الوقت لنفس هذه السلع إن كانت من إنتاج المصانع المسجلة مسبقا لدى هيئة الرقابة على الصادرات والواردات لضمان مطابقتها للمواصفات القياسية، لم أفهم معنى أن نغلق باب الاستيراد المفتوح على مصراعيه دون رابط أو ضابط وأن نفتحه فى نفس الوقت، نفتح باب الأمل ــ أخيرًا ــ لحماية الصناعة المصرية ووقف نزيف العملة الصعبة ثم نضع شروطا ميسرة لغلقه من جديد.
وعلى الرغم من ذلك فقد قابل أصحاب المصلحة فى استجلاب تلك المنتجات هذا القرار بالاعتراض، قالوا إن غزو السوق المصرية يأتى عن طريق التهريب وليس الاستيراد، وإن الصنّاع المصريين غير جادين فى تطوير صناعاتهم وإن الصانع المصرى لم يعد ماهراً وإن ذلك القرار سيحدث مشكلات مع دول كثيرة وقّعنا معها على اتفاقيات للتجارة الحرة، وربما قابلت منتجاتنا المصدرة إليها بالمثل ومنعت استيرادها ووصلوا فى اعتراضهم إلى حد أن المستهلك المصرى سيكون عرضة لجشع التاجر المصرى الذى سينفرد وحده بالسوق وسيرفع الأسعار.
تغافل هؤلاء من أصحاب المصلحة هذا الوضع الكسيح للسوق المصرية من جرّاء أبوابها المفتوحة على مصراعيها للسلع والمنتجات الأجنبية من كل بلاد الدنيا تهريبا أو استيراداً، دون إنتاج محلى موازٍ ودون حماية واجبة من الدولة للبقية الباقية من الإنتاج المحلى وانصرف ذلك بالفعل على مستوى المنتج ومستوى العامل المصرى وآن الأوان بقرارات حاسمة ومفهومة لنضع حدًّا لهذه الملهاة.