x

صلاح منتصر فاروق ظالماً ومظلوماً (23) صلاح منتصر الإثنين 11-01-2016 21:32


فى التاسعة صباح يوم السبت 26 يوليو 1952- كما يحكى الغريب الحسينى، الحارس الخاص لفاروق، وكان قد بدأ هذه المهمة من إبريل 1948- نزل «الملك فاروق» من الدور العلوى لقصر رأس التين إلى الدور السفلى، وهو يرتدى زى القائد الأعلى للقوات البحرية البيضاء.

فى نفس الساعة التاسعة صباحا، كان الفريق محمد نجيب (أنعم عليه الملك برتبة فريق يوم 23 يوليو، ولكن نجيب تنازل عنها وعاد إلى رتبة لواء بعد رحيل فاروق)، يلتقى على ماهر، رئيس الوزراء، فى مقر الحكومة ببولكلى بالإسكندرية. وبمجرد أن رأيته- والكلام على لسان محمد نجيب- أخرجت ورقة كبيرة عليها الإنذار الموجه للملك فأخذها أنور السادات، الذى كان موجودا، وقرأ ما فيها بصوت مرتفع. وطلبت من على ماهر أن يذهب إلى الملك ويطلب منه أن يوقع وثيقة تنازله عن العرش قبل الساعة الثانية عشرة ظهرا، ومغادرة البلاد قبل السادسة مساء. وارتجفت شفتا على ماهر وشحب وجهه، وقال: هل قدرتم كل شىء؟ قلت: نعم. قال: زى ماتشوفوا. وغادر على ماهر إلى قصر رأس التين لعرض مطلب الضباط وتسليمه الإنذار الذى كان نصه:

من الفريق أركان حرب نجيب.. باسم ضباط الجيش ورجاله إلى جلالة الملك.. إنه نظرا لما لاقته البلاد فى العهد الأخير من فوضى شاملة عمت جميع المرافق نتيجة سوء تصرفكم وعبثكم بالدستور وامتهانكم لإرادة الشعب، حتى أصبح كل فرد من أفراده لا يطمئن على حياته أو ماله أو كرامته، ولقد ساءت سمعة مصر بين شعوب العالم من تماديكم فى هذا المسلك حتى أصبح الخونة والمرتشون يجدون فى ظلكم الحماية والأمن والثراء الفاحش والإسراف الماجن على حساب الشعب الجائع الفقير. ولقد تجلت آية ذلك فى حرب فلسطين وما تبعها من فضائح الأسلحة الفاسدة، وما ترتب عليها من محاكمات تعرضت لتدخلك السافر مما أفسد الحقائق وزعزع الثقة فى العدالة وساعد الخونة على ترسم هذا الخطأ، فأثرى من أثرى وفجر من فجر، وكيف لا والناس على دين ملوكهم. لذلك فوضنى الجيش الممثل لقوة الشعب أن أطلب من جلالتكم التنازل عن العرش لسمو ولى عهدكم الأمير أحمد فؤاد، على أن يتم ذلك فى موعد غايته الساعة الثانية عشرة من ظهر اليوم السبت 26 يوليو 1952 الرابع من ذى القعدة سنة 1371، ومغادرة البلاد قبل السادسة من مساء اليوم نفسه. والجيش يحمّل جلالتكم كل ما يترتب عن عدم النزول على رغبة الشعب من نتائج.

إمضاء: فريق أركان حرب محمد نجيب

■ ■ ■

بعد دقائق كان على ماهر وحده يجلس أمام فاروق فى قصر رأس التين، وبدبلوماسيته وعلاقته الخاصة بفاروق- وهو الذى كان رئيس ديوان فاروق منذ أول يوم نُودى به ملكا- فإنه لم يخرج الإنذار الذى وضعه فى جيبه ولم يشر إليه، بل راح يتحدث إلى فاروق بهدوء عن طلب الضباط تنازله لابنه عن العرش، فقد كان رأى على ماهر أن المطلوب هو الحصول على موافقة فاروق على التنازل، أما الوسيلة فقد قررها هو، رافضاً استخدام الإنذار لخوفه أن يأتى بنتيجة عكسية.

وبالفعل، فبعد نصف ساعة من المناقشة قَبِل الملك طلب الجيش، ووافق على التنازل عن العرش ومغادرة البلاد حسب الموعد المحدد لكنه اشترط:

1ـ أن تكون وثيقة التنازل عن العرش التى سيوقعها مكتوبة على ورق لائق وبصيغة تحفظ كرامته كملك، (فى ذلك لابد أن فاروق تذكر الورقة غير اللائقة التى قدمها له السفير الإنجليزى مساء يوم 4 فبراير 1942، وتتضمن خطاب تنازله إذا رفض تعيين مصطفى النحاس رئيسا لحكومة جديدة).

2ـ أن يبحر إلى نابولى على اليخت المحروسة، ومن نابولى إلى جزيرة كابرى.

3ـ أن تقدم له التحية الملكية عند المغادرة، والتى تطلق فيها المدفعية 21 طلقة.

4ـ أن يحضر الفريق محمد نجيب شخصيا لوداعه قبل مغادرة البلاد.

5ـ أن تصحب المحروسة حراسة من المدمرات حتى المياه الإقليمية.

وقد تمت الموافقة على الشروط الأربعة الأولى، وتم رفض الخامس.

تولى الدكتور عبدالرزاق السنهورى، رئيس مجلس الدولة، وسليمان حافظ، وكيل المجلس، وثيقة التنازل التى كان نصها: أمر ملكى رقم 65 لسنة 1952

نحن فاروق الأول ملك مصر والسودان

لما كنا نتطلب الخير دائما لأمتنا، ونبتغى سعادتها ورقيها، ولما كنا نرغب رغبة أكيدة فى تجنب البلاد المصاعب التى تواجهها. فى هذه الظروف الدقيقة ونزولا على إرادة الشعب قررنا النزول عن العرش لولى عهدنا الأمير أحمد فؤاد، وأصدرنا أمرنا بهذا إلى حضرة صاحب المقام الرفيع على ماهر باشا، رئيس مجلس الوزراء، للعمل بمقتضاه.

توقيع: فاروق

■ ■ ■

وبين لغة إنذار الصباح ولغة وثيقة التنازل فرق كبير. فخطاب الإنذار كتبه ضباط الحركة وجاءت شرعيته مستندة إلى «قوة الجيش الممثلة للشعب»، أما وثيقة التنازل التى كتبها محترفو قانون فلم ترد فيها كلمة الجيش مرة واحدة، وحققت توازناً بين إرادة الملك فى التنازل وإرادة الشعب فى هذا المطلب.


[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية