تجلس أمام شاشات الفضائيات ليداهمك هذا المحتوى الخزعبلى، خناقة كبرى حول قدرات نائب برلمانى يستعين به زملاؤه النواب لمحاربة الجن الذين يحرقون البيوت وينهبون الأموال، مداخلة من شيخ سلفى يقابلها شتم له ووصف بالجهل من شيخ أزهرى فيرد عليه بالاستخفاف به والتشكيك فى علمه، نقاش لا تتخيل أن تراه على شاشات الفضائيات بل يمكن أن يكون مكانه ناصية شارع أو مقهى شعبى يتجادل فيه بعضهم حول القدرات الخرافية والكرامات لرجل ما يقصده الناس للتبرك والاستشفاء والبحث عن البركة وحل المشاكل وغيرها من الظواهر التى تنتشر فى الأوساط البسيطة التى تعتقد فى مثل هؤلاء وتصدق دجلهم.
تترك هذا الهراء فيقابلك فيديو لأحد الخبراء الاستراتيجيين والذى أصبح أيضا نائبا فى البرلمان الحالى! وهو يبشر ويدافع عن جهاز علاج الإيدز وفيروس سى الوهمى ويقول فى مقطع فكاهى للمذيع: إنت زعلان ليه؟ الأمريكانى والطليانى وممثلوهم هنا والحبشتكنات دى كلها إنت زعلان ليه؟ أنا عايز أعالج ناسى أنا قلت لك هات ناسك؟ أنا هاعالج ناسى وناسى راضيين وعايزين يتعالجوا عندى، إنت مالك؟!
كيف تمكن منا كل هذا الجهل وكيف بات هؤلاء يتربعون على منابر توجيه الرأى العام فى مصر؟
يقول المفكر مالك بن نبى وهو يصف هذه الظاهرة (ألا قاتل الله الجهل، الجهل الذى يلبسه أصحابه ثوب العلم، إن هذا الجهل أخطر على المجتمع من جهل العوام لأن جهل العوام بيّن ظاهر يمكن علاجه أما الأول فهو متخف فى تدليس هؤلاء)، صناع الدجل والجهل يتقدمون يوما بعد يوم ويتصدرون المشهد ليغرقوا المصريين فى مزيد من الخرافات والأوهام، بعيدا عن نظرية المؤامرة وما احتواه كتاب بروتوكولات حكماء صهيون- المجهول المصدر- لفت نظرى هذا النص (إن أولئك الذين قد نستخدمهم في صحافتنا سيناقشون بإيعاز منا ما يشغل الناس بالنقاشات والمناظرات، حتّى نصدر نحن القوانين التي نحتاج إليها، ونضعها أمام الجمهور على أنها حقائق ناجزة. لن يطلب استئناف النظر فيما تقرر إمضاؤه، فستحول الصحافة نظر الجمهور بعيدًا بمشكلات جديدة، بحيث يسرع المغامرون والسياسيون الأغبياء والرعاع إلى مناقشتها).
نحن أمام محاولات حثيثة لتغييب الوعى الجمعى وإغراق الناس فى الأوهام والخرافات، كيف نمضى للمستقبل ونحن مثقلون بهذه الأثقال التى تغرقنا فى وحل التخلف والتأخر، يقول ناعوم تشومسكى المفكر الأمريكى الشهير عن استراتيجية إغراق الجمهور فى الجهل والغباء والخرافة التى تمارس كثيرا (لابدّ من إبقاء الجمهور غير قادر على فهم التقنيات والأساليب المستعملة من أجل السيطرة عليه واستعباده بحيث يفقد القدرة على التفكير المنهجى ويتحلى بعشوائية التفكير والحكم على الأشياء وهذا عبر التعليم الذى يجب أن تكون نوعيته السائدة متدنية بحيث تحافظ على الفجوة التى تفصل بين النخبة المتحكمة والعامّة وأن تبقى أسباب الفجوة مجهولة لدى المستويات الأقل، ويقول حافظوا على اهتمام الرأى العام بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية اجعلوه مفتونا بمسائل لا أهمية حقيقية لها، أبقوا الجمهور مشغولا، لا وقت لديه للتفكير!
هذا ما يحدث لنا الآن فمتى نستفيق؟