x

يسري الفخراني الجهل ليس نوراً ياسيدى! يسري الفخراني الثلاثاء 19-05-2015 21:35


مرة أخرى لا أخيرة: لا تغيير فى الحياة بدون تغيير فى التعليم، هذه المناهج العقيمة والمدارس التى أصبحت مثل الجحور المظلمة التى تحوى فئرانا لا تلاميذ، وحال المدرس وصحة الطالب، كم مرة كتبت وغيرى عن مشروع قومى لنهضة التعليم فى مصر؟ لا أحد يسمع أو لا أحد يريد أن يسمع!

بدون تعليم، لا علم ولا ثقافة ولا ذوق ولا أمل، لا فكرة ولا إحساس ولا طموح ولا حلم، كل الأطفال يولدون أذكياء، لكن التعليم هو العتبة التى يفترق عندها من يحمى ذكاءه ومن يفقده!

التعليم هو أهم استثمار فى البشر، 2 مليون طفل كل سنة يحتاجون إلى مقاعد أمام سبورة وكرّاسة وكتاب للتعليم، وهم يقفون فى نفس الطابور الطويل بالدور إلى طريق فقدان عقلهم بأسلوب التعليم، الذى يخرج كل عام 2 مليون شاب أمى لا يفك الخط من الجهة الأخرى!

كنت أتمنى أن نبدأ فى 2015 قصة كبيرة لتعليم جيل يبدأ أولى خطواته يجلس فى فصل مريح، ويتعلم منهجا دراسيا حقيقيا ذكيا، لنحتفل فى سنة 2031 بأول 2 مليون شاب متعلم بشكل حقيقى، لم يعد يهمنى محو أمية من هرب أو فات عليه قطار التعليم بقدر الأمانى بحصر المشكلة من بدايتها، من سنة أولى، الأمر يبدو صعبا للغاية، لكنه بالفعل ليس مستحيلا، يجب أن نضع شروطا لكل من يريد أن يستثمر فى مصر ويحصل على تسهيلات نمنحها له مجانا غالبا، أن يبنى مدرسة جديدة أو يطور مدرسة قائمة، أن يستثمر فى البشر قبل أن يربح ويجرى باستثمارته فى بناء المجمعات السكنية والمولات التجارية!

نحتاج كل سنة إلى بناء 100 مدرسة نموذجية وتطوير 100 مدرسة أخرى، لكى نكسب فى العشر سنوات القادمة 2000 مدرسة متطورة، أما المناهج ـ بعيدا عن مافيا الكتب فى مصر ـ فهى متاحة على قارعة الطريق باتفافات بسيطة لشراء حقوق النشر من دور النشر فى أى مكان فى العالم.

تبقى مشكلة المعلم، يجب أن نقلب الهرم، ونختار أفضل المدرسين وأكثرهم قدرة على التعليم، ليدرسوا للأطفال فى سنواتهم الأولى، كيف نتوقع أن تلميذا لا يتعلم فى الابتدائى سيفلح فى الإعدادى؟

إننا نضحك على أنفسنا كثيرا، الحقيقة دائما، حين نريد أن نضاعف ميزانية البحث العلمى وليس لدينا فى الأصل تعليم يؤهلنا للبحث العلمى، نطالب أن نتطور فى الزراعة والصناعة وفى الفن وفى الرياضة وفى الطب، والتلاميذ الصغار نحول لهم متعة التعليم إلى أشغال شاقة، مطلوب منهم أن يفتتوا الجبل لا أن يصعدوه!

بدون تعليم صحيح وحقيقى، عليه العوض فى أى إنجاز، لا تطلب من إنسان جاهل أن يعمل بضمير، أن لا يلقى قمامة فى الشارع أو لا يقطع حشو كرسى الأتوبيس الجديد الذى اشتريناه بالقروض، لا تطلب من جاهل ألا يقتل وألا يتطرف وألا يملأ رأسه بكل ما فى قاموس الشر من كلمات، لا تطلب من جاهل أن يفهم أو يقرأ كتاب أو صحيفة أو يشاهد فيلما رومانسيا أو مسلسلا اجتماعيا!

الجهل هو أسهل طريق لكى تحرق الأرض بعد أن تبذل جهدا لاستصلاحها، وأقصر طريق إلى الغضب فى غير محله والثورة فى غير مطالبها.

الجهل والأمية مهدا الطريق اليوم إلى اختيار وزراء لا يعرفون كيف يكتبون أسماءهم، يتحكمون فى مصير شعب، وتعيين موظفين يبتكرون كل يوم ألف طريقة للغش والرشوة والفساد وتعطيل العمل، وتمرير أخبار ومقالات صحفيين يخطئون فى النص وفى الفكرة وفى الخط، واعتماد أطباء يقتلون بتشخيصات متسرعة مئات المرضى كل نهار!

الجهل ليس نورا إنما هو أكثر الأسلحة التى يمكن أن تقتل شعوبا جيلا بعد جيل!

أكثر الدول كراهية وعداوة لنا لن تحتاج إلى أن تطلق على عقولنا رصاصة لكى نموت وينتصروا، لقد أطلقوا علينا رصاصا من رغاوى وهجايص وخفة وتسطيح، أدت الدور المطلوب بمهارة.

كثيرا ما أستدعى نظرية تفكيك الاتحاد السوفيتى التى اعتمدتها مخابرات بعض الدول ضدها، نظرية بسيطة تقوم على وضع الرجل غير المناسب فى المكان المناسب، وهكذا انتهى الاتحاد السوفيتى من داخله بكل سهولة، فى التعليم، على مدى سنوات طويلة، وضع دائما الشخص غير المناسب على رأس المسؤولية، فتم انتهاك التعليم بدون رحمة.

أنهى بنكتة حقيقية: كان طبيب أطفال فى عيادته حين تم استدعاؤه على عجل إلى رياسة الوزراء، ذهب إلى هناك فبث الصحفيون خبر تعيينه وزيرا، ووجد نفسه بعد مقابلة رئيس الحكومة يقف على السلالم للإدلاء بتصريحات صحفية، فوعد الرجل بصفته طبيبا وعودا تفى بمكانه المنتظر والمعقول كوزير للصحة، لكن رئيس الحكومة أرسل له من يقول فى أذنه: يا غبى.. اخترناك وزيرا للتعليم، فوقف يداعب الصحفيين قائلا بسيطة: احذفوا كلمة مستشفى وضعوا كلمة مدرسة، وأرسلوا أخباركم إلى الجرايد بسرعة!

هذا الوزير بالذات كانت له جرائم لا تُنسى فى عصره بحق التعليم!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية