x

مصباح قطب منظومة ما بعد «رامز» مصباح قطب الأربعاء 06-01-2016 21:25


ما أكثر ما طلب المطالبون بالعمل المؤسسى وبالمؤسسية فى مصر بدلا من العنتريات الفردية والأعمال الانطباعية والجزر المنعزلة. لعل أكثر من يؤمن بهذه الحكمة الآن هو هشام رامز، محافظ البنك المركزى السابق. رامز رجل كفء ونزيه ومقتدر، لكنه عمل وحده ولم يسمع سوى صوته، وبصفة خاصة خلال الأشهر الأخيرة من عمله. خسرنا رامز وخسر هو لهذا السبب مرتين، إذ ترك موقعه، ولم تسند إليه الدولة– كالمعتاد– أى منصب آخر. عمل رامز تقريبا بدون مجلس الإدارة وبدون استشارة أى طرف ودون التنسيق مع المجموعة الاقتصادية واستنام إلى الغياب الدائم للمجلس التنسيقى للسياسة النقدية، وأكثر من ذلك دخل معركة مع الجميع دون سند، ثقة منه فى أن قدرته غير العادية على ملاعبة المضاربين كافية. عمل بصدق لتمر مصر من فترة الندرة الدولارية بسلام، لكن منفرداً... لذلك لم يجد حتى من ينبهه إلى أن طنين الجماهير الاستيرادية الهائجة يكاد يدك حصون القصر، أقصد البنك المركزى، وهو غائب. كان رامز محل ثقة من رئيس الدولة، لكن الرئيس وجد أنه لا مفر من التغيير، فقد أصيب النشاط الاقتصادى بالشلل. رامز شعاره الآن: يا ليتنى!

ما يجرى حاليا يوضح بجلاء فوائد المؤسسية.. طارق عامر، المحافظ الحالى، يسعى إلى تحقيق نفس هدف رامز– ولا مفر- وهو تلجيم الواردات، لكنه يعمل بطريقة بمقتضاها يتحمل كل طرف مسؤوليته. فقد قام وزير التجارة والصناعة بإصدار قرار هو الأول من نوعه فى مصر ينص على وجوب تسجيل المصانع التى تورد سلعا تامة الصنع إلى مصر فى سجل خاص لدى هيئة الرقابة على الصادرات والواردات، وجعل من حق السلطات المصرية أن توفد لجانا إلى تلك المصانع لتطمئن على احترامها لقوانين العمل الدولية والبيئية... إلخ. تذكرون أننا لا نستطيع تصدير «بطاطساية» دون أن يعرف المستورد الأوروبى رقم الحقل الذى تم زرعها به ونوع المعالجات الكيماوية التى تعرضت لها، ودرجة نقاوة مياه الرى... إلخ. أيضا أصدرت وزارة المالية أسعارا استرشادية وحكمية لأنواع من السلع والسيارات المستوردة تلتزم بها الجمارك بغض النظر عن الفاتورة.. وهو إجراء سيتضرر منه البعض بالتأكيد، لكن سيربح صناع مصريون كما حدث مع الأسعار الاسترشادية للملابس والأحذية. بدوره ألزم المركزى البنوك بأن تحصل من المستورد على غطاء بقيمة 100% على السلع غير ذات الأولية، كما ألزم المستوردين- وبالاتفاق مع الجمارك- بتقديم ما يفيد حقيقة أسعار الصفقة معتمدة من البنك الأجنبى (بنك المورود) وهكذا. منظومة يظهر فيها «نفس» الحكومة والمجلس التنسيقى والمركزى معا. من المؤكد أن الواردات ستتراجع لكن لن يكون الاعتراض كاسحا لأن العمل مؤسسى وليس عملا فرديا يسهل تغييره بالإطاحة بصاحبه.

السياسة النقدية فى مصر تحتاج مراجعة شاملة، لكن تبقى للخطوات الأخيرة أهميتها.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية