لا أعتقد أن هناك بيننا من لا يعى دور الأزهر فى الحفاظ على السلام الاجتماعى، أو فى نشر الوسطية الدينية، ليس فى مصر وحدها، وإنما فى معظم دول العالم الإسلامى. لا أعتقد أن بيننا من يستطيع أن ينكر دور الأزهر فى تعليمنا أمور ديننا بالشكل الصحيح، من خلال علماء خريجى الأزهر على المنابر، أو فى إذاعة القرآن الكريم، أو فى حصص الدراسة، أو فى أى مكان آخر. لا أعتقد أن بيننا من لا يدرك دور الأزهر، تاريخياً، فى مقاومة الاحتلال الأجنبى، وفى التعبئة ضد الاحتلال الصهيونى، وفى تعليم أصول الدين بمختلف القارات. لا أعتقد أن هناك من لا يدرك أن الأزهر يقوم بتدريس الفقه على المذاهب الأربعة، ليس أكثر، فلا يركن إلى تشدد الوهابيين، ولا إلى تطرف الدواعش، ولا إلى إرهاب الخوارج على مر الزمان.
ربما كان هذا هو السر فى ذلك الهجوم الضارى على الأزهر وشيخه فى هذه الآونة، من خلال منظومة واضحة المعالم والتمويل أيضاً، وفى إطار ذلك المخطط، الذى أصبح بوضوح الشمس، والذى يهدف إلى نشر التطرف والإرهاب فى المنطقة ككل، تمهيداً لحرب الطوائف التى بدت طبولها تدق فى أقطار عديدة حولنا الآن، فمازال الأزهر على الرغم من كل ما يجرى بالمنطقة هو الجهة الدينية الوحيدة المتماسكة، والموثوق بها، وبعلمائها، والتى تستطيع أداء دورها بكل اقتدار، وهو ما يعيه تماماً أولئك الذين يقومون بتنفيذ ذلك الدور المشبوه والعميل، فى أقل وصف يمكن أن يطلق عليه.
فلا يكاد يختفى أحد المأجورين على صحيح الدين، إلا ويتم الزج بموتور آخر من مدعى الاجتهاد والتجديد، فى إطار تقسيم أدوار يائسة وبائسة، وفى ظل إدارة للمخطط لم تعد تخجل من علانية الفحش والجرم، حتى وصلت الأمور إلى حد استخدام تعبير مقاضاة الأزهر دولياً، بتهمة نشر الإرهاب، وإدراج الأزهر منظمة إرهابية، إلى غير ذلك من غباء وتطاول منقطع النظير، فى ظل صمت رسمى، إن استمر، فسوف تدفع معه الدولة المصرية ثمناً باهظاً، وما يدور حولنا من تطرف فى كل مكان، إنما هو أكبر دليل.
ما يجرى الآن فى وضح النهار، من محاولات مضنية للضرب فى أصول الدين، ومن جهود متعددة الأطراف لتشويه الأزهر وعلمائه، يستدعى موقفاً رسمياً فقط، لوقف هذه المهزلة، لأن الموقف الشعبى هنا معناه العنف والمواجهة، ولا أعتقد أبداً من العدالة أن نطالب علماء الأزهر الأفاضل بالدخول فى مناظرات من أى نوع مع مجموعات من الجهلة، الذين لا يؤمنون أساساً بوجود خالق للكون، وبالتالى فإن الحوار سوف يصبح عديم القيمة، ينطلق من كتب صفراء مدسوسة، ومن فحش فى القول لا يجب الإنصات إليه.
نحن هنا لسنا أبداً ضد الحوار، أو الرأى والرأى الآخر، لكننا فى الوقت نفسه نؤكد أن أى حوار من أى نوع يجب أن يكون متوازناً، يحكمه العقل، والمنطق، والتكافؤ العلمى، وليس الزج بمشبوهين، أو مشوهين، أو أشباه رجال، للدخول فى معترك مع شخص بحجم شيخ الأزهر تحديداً، وهو ما جعل الرجل يحجم طوال الوقت عن الدخول فى ذلك المعترك، فى إطار من الفطنة التى أدرك معها مبكراً حجم المؤامرة.
إلا أنه على الرغم من ذلك، وعلى الرغم من تأييدنا له فى هذا الصدد، فقد أصبحت المرحلة، محلياً وإقليمياً، على قدر من الخطورة، يستدعى وضع حد لهذه المأساة اليومية، التى بدأت تؤتى أكلها بنشر التوتر، والتطرف، وخلق حالة من الاستياء العام، والتحفز فى الشارع المصرى، الذى أصبح يعى حقيقة الموقف، وكم أنها بمثابة بذور لخلق الفتنة، والشرارة التى يمكن أن يكتوى بها كل المجتمع.
أى حديث عن الخطاب الدينى أيها السادة، وما يسمى بتجديد من أى نوع، يجب أن يكون مسؤولية الأزهر وفقط، وما هو بخلاف ذلك هراء، يستهدف الفوضى، إلا إذا كان ذلك هو الهدف.