x

شريف رزق غياب التفكير العلمي!! شريف رزق الإثنين 04-01-2016 21:41


التدقيق هو إحدى السمات الأساسية للتفكير العلمي، فلا تستخدم الألفاظ بطريقة عشوائية أو مطلقة، بل يتم البحث وجمع المعلومات المتاحة حتي يتمكن الباحث أو المحلل أو الكاتب أو حتي رجل الشارع من الوصول إلى موقف ما في القضايا الآنية والمستقبلية.
التفكير العلمي ينطلق في تحليله من وجود مشكلة ما على أرض الواقع، مشكلة تعوق تقدم ما في أحد المجالات، ومن ثم يصبح المطلوب هو البحث عن كافة المعلومات المتعلقة بالمشكلة، ثم تصنيفها من حيث الأهمية ومحاولة معرفة القدرات الحقيقية التي تسمح بحل المشكلة في إطار زمني ما.
في التفكير العلمي لا نستخدم كلمات مثل «الشعب المصري»، «كل المصريين»، «الغرب»، «الأمريكان»، «الشرق الأوسط»، «العالم العربي» إذ إن استخدام تلك الكلمات يحمل تعميما يستحيل قياسه بأي وسيلة علمية، فلن نستطيع مثلاً أن نجزم برأي يتعلق بمصر ونقول «كل المصريين» وهم 90 مليوناً فمهما كانت عينة البحث كبيرة لن تستطيع رصد العدد المناسب للقيام بعمل علمي يحترم المنطق. ومن الحقائق البينة هو مدي التباين الثقافي داخل الشعب المصري، بل والتباين داخل الفئات المتقاربة اجتماعياً ومالياً وثقافياً، ومن ثم تصبح مقولة «المصريين» تشبه العبث وينسحب ذلك على كافة التنطيمات الأخري.
وحين نقول «الغرب» فنحن نرتكب نفس الجريمة العلمية، الدول الغربية ذاتها كثيرة التوجهات والتعقيدات الثقافية التي يستحيل معها وضعها في داخل إطار واحد، قد توجد بعض الظواهر المتشابهة لكنها غير متطابقة.
و حين نرصد مدي وكيفية استخدام التفكير العلمي في الإعلام المصري سوف نجد أن كثيرا من المواد التي تقدم إعلامياً تحمل قدراً هائلاً من العشوائية والعبث، من حيث المضمون والدقة والبحث. إصدار أحكام على أشخاص ما بالفساد دون وجود دليل مادي، ودون تحري الدقة في توضيح ما إذا كان هذا نقلاً عن وكالة إخبارية أو أن الوكالة الإخبارية لديها مصدر موثوق فيه، والأمثلة عديدة ومتنوعة.
ففي جرائم الفساد تحديداً لابد وأن تذكر الجريمة ذاتها، وهل هي استغلال نفوذ، استغلال الوظيفة العامة، الرشاوي، أو الإهمال فتلك الجرائم من أشكال الفساد، لكن وصف شخص ما بالفاسد في العموم دون توضيح الجريمة التي ارتكبها وهل تم الحكم عليه أم مازال الأمر قيد التحقيق فهو لعبثية وعشوائية في استخدام المنبر الإعلامي، وقد تتآكل مصداقية الإعلام تماماً في القريب العاجل إذ استمر الحال على نفس المنوال.
ومن الملاحظ مدي الشخصنة المستشرية في التناول الإعلامي لقضية ما، فيتم مدح أو قدح شخص ما بناء على مدي صلابة العلاقة الشخصية، وليس ما يمثله من فكر. ومما لا شك فيه أن تشابك المصالح بين رحال الأعمال والسياسة والإعلام والدولة قد أثر ذلك كثيراً على مدي موضوعية المنابر الإعلامية إذ يظل مقدم البرنامج في حالة من التخبط والتضارب بين ما يريد أن يقول، وبين الحقيقة كما هي، وبين الموضوعية التي تقتضيها أخلاقيات مهنة الإعلام. فمهنة الإعلام بالأساس مهنة بحثية، وتتطلب اتباع منهج علمي في البحث عن المعلومة ورصدها ومن ثم حرفية إرسالها للناس عبر المنابر المختلفة، أما البرامج ومقالات الرأي فتعتمد على التحليل المبني على معلومات، ومن ثم لابد وأن نتساءل حقاً هل مازال لدينا إعلاماً نستطيع أن نقول إنه يستخدم التفكير العلمي، وأظن الإجابة بدهية بدرجة تثير الحزن والأسي.

شريف رزق

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية