x

جمال الجمل جنس، أكاذيب، وألاعيب فيديو (2015_2) جمال الجمل الخميس 31-12-2015 21:40


(1)

عادة تشغلني النهايات، لأنها تثير في نفسي حالة من الشجن الغامض، وتثير في عقلي رغبة التأمل والتفنيد، لذلك انشغلت طوال الأيام الماضية بمحاولة البحث عن ملمح رئيس، أو ملامح عامة لعام 2015 بعيدا عن الاستسلام البارد للأرشيف، وإعادة التذكير بالوقائع منفصلة، دون فهم للسياق الذي حدثت فيه، ولا للاتجاه الذي تذهب إليه.

(2)

في أيام «الجرد» هذه، شاهدت فيلم «The Revenant»، وهو فيلم أمريكي يدور في بدايات القرن 19 بعنوان موحي يمكن ترجمته «العائد من الموت»، وقد أثار الفيلم ضجة كبيرة قبل عرضه رسميا، وحصل على شهرة هائلة أثرت سلبا على طريقة مشاهدتي له، وبالرغم من قراري بتأجيل الكتابة عنه، إلا أنه وضعني بقوة جذب خفية، تحت الإقامة الجبرية أمام شاشة السينما المنزلية، والطريف أن أفلام العام لم تستهوني بقدر ما وجدت نفسي مدفوعا بإلحاح لمشاهدة أفلام قديمة اخترتها بعقلي الباطن، وليس عن قصد مني، وكان في مقدمتها فيلم ستيفن سودربرج الشهير «جنس، أكاذيب، وشريط فيديو»، الذي أثار ضجة هائلة طوال التسعينيات، ولا يزال مؤثراً في الشباب وملهماً للكتاب، بالرغم من تجنبه للسياسة والقضايا الكبرى.

(3)

كنت قد شاهدت فيلم سودربرج أكثر من مرة، قبل إخراجه لفيلمه المزدوج عن جيفارا، ولم أشعر في أي من المشاهدات السابقة أن للفيلم علاقة بالسياسة، فهو قصة سايكودرامية عن الزواج والحب والصداقة والخيانة، وإذا توسعنا في تعميم قصة الفيلم قد نتحدث عن الزيف الاجتماعي وتفكك العلاقات الإنسانية، وربما نتحزلق فنتحدث عن إنعكاس العجز على سلوك الأفراد، وتأثير ظهور الفيديو، واستخدامهه في تصوير الأفراد للحياة أو جانب منها، خاصة الجانب الخفي.

لكنني في هذه المرة، لمست مدى ارتباط الفيلم بواقعنا السياسي، خاصة سياسة هذا العام الصادم، الذي يغلق دفاتره استعدادا للرحيل، بعد أن ترك خلفه احباطات كثيرة، وشظايا أمل لا نعرف كيف سيتعامل معها 2016

(4)

الفيلم يتمحور حول 4 شخصيات: المحامي جون، وزوجته آن، وشقيقة زوجته سينثيا، وصديقه جراهام الذي يعود بعد غياب سنوات طويلة. وفي مشاهدتي الأخيرة كانت فكرة دخول الصديق لحياة الأسرة هي الحدث، لأنه كسر رتابة الحياة، وتسبب في انقلاب كبير بسبب كاميرا الفيديو الذي يحملها، وهوايته الغامضة في تصوير حوارات مفتوحة مع النساء عن حياتهن الجنسية، من دون مراودة أي واحدة عن نفسها، فهو يكتفي بالحكي، وفتح صناديق المسكوت عنه، ويبتعد عن أي هدف حسي للجنس، مكتفيا بأهداف ذهنية ونفسية غامضة، حيث يبدو جراهام خلف الكاميرا صيادا ماهرا، قويا، ومسيطرا على الأحداث، ويحصل على اعترافات مصورة من آن، وسينثيا التي تخون شقيقتها مع جون، ونعرف أن آن نفسها تكذب على زوجها وتدعي أنها مريضة نفسيا وتكره الجنس مع أنها إمرأة شبقة، لكن مع جلوس جراهام أمام الكاميرا، تنقلب قوته إلى ضعف، ويتحول الصياد إلى فريسة، فيظهر مرتبكا وضائعا، حتى يفاجئنا معترفاً أنه عاجز جنسيا (عنين)، وأن هذه الهواية مجرد تعويض خارجي عن هذا العجز!

(5)

لا يهمني الآن بقية الأحداث التي تتأرجح بين الغواية، والنزق، والنشوة، والرغبة في الانتقام، والتطهر أيضا، يهمني أن كل هذه المشاعر والسلوكيات معجونة بالأكاذيب، بحيث يبدو الكذب هو أساس حياة هؤلاء الناس، وتبدو بقية هذه المشاعر والسلوكيات مجرد تنويعات تبرر وتجمل الكذب، ولما تتمكن كاميرا الفيديو من تحطيم الأكاذيب، وتحويل مجرى الأحداث، وتغيير المصائر، تنقلب تسجيلات الفيديو (مثل جراهام) من وسيلة للمصارحة وتوثيق الحقيقة، إلى لعبة للتمويه، وإضفاء مظهر صادق لأكاذيب أعمق، تشككنا في أن جراهام نفسه ليس عنينا، لكنه يدعي ذلك، لأهداف نفسية أعمق في شخصيته!

(6)

لم تكن قصة تدبير فضيحة جنسية للمخرج والنائب البرلماني خالد يوسف، هي القصة الرئيسية في عام 2015، ولم تكن المرة الأولى التي يستخدم فيها سلاح الجنس في السياسة، فهو سلاح قديم جدا، ولم يتوقف استخدامه يوما، كذلك لم تكن مشاهد الفيديو المصورة جديدة، لكنها توسعت وصارت أداة جماهيرية لا تخضع للسيطرة، كما كان كان في السابق عندما كانت أجهزة المخابرات تحتكر هذا الفعل، ولعل شرائط حسام أبوالفتوح كانت مبادرة شعبية طَوَّرت هواية جراهام، وجعلتها أسلوبا شعبيا في عصر الجماهير الغفيرة، ساعد على ذلك انتشار الكاميرات بشكل مذهل في كل يد تقريبا، لذلك لم تعد أجهزة السلطة تكتفي بالانتاج، ودخلت مجال التوزيع والبث، لتمارس السيطرة من خلال «رهاب الوصم»، وغريزة الخوف الأزلية من الفضيحة.

(7)

الجنس السياسي إذن يشبه علاقات جراهام بالجنس في اشياء كثيرة، فالهوس بالجنس يعبر عن إحساس كامن بالعجز، وعن رغبة في التعويض، لا يتم إشباعها إلا بالخوض في هذه السيرة، حتى لو لم يكن هناك فعل، فأنصار السلطة يتلذذون بتصوير قيادات الإخوان بأنهم «نساء».. (لبسناهم الطرح والحجاب، و...)، ويبالغون في الحديث عن «جهاد النكاح» كماخور شرعي للجنس في اعتصامات الإخوان، وتجمعات الإسلام السياسي عموما، والسلطة نفسها تورطت في توجيه اتهامات جنسية للمتظاهرين، وحاولت أن تبرئ نفسها بتوقيع كشوف عذرية للمعتقلات، في المقابل تحدث الإخوان عن انتهاكات جنسية تمارسها السلطة ضد المعتقلين، ويحرضون الناس ضد النظام بشعارات من نوع «ثوروا لأعراضكم»، ويستخدمون الحرائر كدروع بشرية في مظاهراتهم، لتصوير الأمن كمنتهك جنسي لشرف النساء، وينشرون صوراً لنائب رئيس مجلس الدولة وهو يسهر في كازينو مع فتيات، ويدشنون حملة «العناتيل» على الصفحة الرسمية لحزب الحرية والعدالة، لكن الحال لم يصل أبدا إلى استخدام فضائية كبيرة في نشر شرائط جراهام، سواء التي صورها بنفسه، أو التي تم تلفيقها ونسبتها إليه، وهو مابادرت به ريهام سعيد فيما عرف بأزمة «فتاة المول»، ثم أحمد موسى في قضية خالد يوسف، ويحسب لموسى أنه صاحب سابقة استخدام ألاعيب الفيديو كوثيقة حربية، حيث بث «فيديو جيم» شائع باعتباره غارة روسية على تنظيم داعش في سوريا، وهكذا يبدو لنا أن كل المفردات من جنس، وفيديو، وإعلام، وجماهير، تستخدم كوسائل لتمرير أكاذيب سياسية لسلطة عاجزة، لاتستطيع أن تحقق أهدافها بشرف.

(8)

جراهام: لا تطلبي من أي شخص نصيحة، إلا إذا كانت علاقتك معه حميمة!

آن: هل تقصد أن أمارس الجنس معه؟

جراهام: نعم

(من فيلم: جنس، أكاذيب، شريط فيديو)

(9)

إذا أردت أن تحصل على مكانة جيدة، فلابد أن تكون علاقتك حميمة باللواء سامح الطرابلسي.

(من الواقع، والنصيحة «على مسؤوليتي»)

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية