x

تضامن قانوني وثقافي بعد الحكم على إسلام بحيري: نص «جائر» وتهمة «غير دستورية» (تقرير)

جابر عصفور: الحكم وصمة عار وكلنا إسلام بحيري
الأربعاء 30-12-2015 19:15 | كتب: هبة الحنفي |
إسلام بحيري إسلام بحيري تصوير : آخرون

«يعلم الله أنني ما فعلت شيئا إلا من أجل وطني».. آخر كلمات نطقها المفكر فرج فودة، حين نفذ الرصاص إلى كبده وأمعائه في 8 يونيو 1992، بعد أقل من أسبوع من فتوى تكفيره التي نشرتها الصحف.

«أعتقد أنني أقدم علما، وأنا لا أزدري الدين، ولكني أدافع عنه وأنقحه».. أولى الكلمات التي نطقها إسلام بحيري بعد علمه بخبر حبسه 5 سنوات، خُففت فيما بعد إلى سنة واجبة النفاذ.

ما بين الجملة الأولى والثانية وصاحب كل منهما متشابهات واختلافات عدة يبحثها من أراد، لكن لا أحد يستطيع أن ينكر التشابه الكبير بين مبرر الاثنين في آرائهما المختلفة، والتي يصفها البعض بـ«التنويرية، فالأول وهو يحتضر قال إنه يدافع عن وطنه، والآخر أكد بعد حكم حبسه أنه يدافع عن دينه.

كل منهما واجه انتقادات جمة في عصره من اتجاهات عدة، فالأول حاربه الأزهر و«سلط عليه علمائه»، وفقًا لكثير من الآراء التي شهدت هذا العصر، والآخر قال الأزهر عنه إنه يحمل «آراء شاذة وتتعمد النيل من أئمة وعلماء الأمة الأعلام المشهود لهم بعلو المكانة ومنزلة تراثهم الذي لا ينكره إلا موجَّهٌ أو جاحدٌ أو غير مدرك لما يحويه هذا التراث العظيم الذي أثرى المكتبة الإسلامية بل والعالمية».

«مخالفة للدستور» هكذا علّق الدكتور محمد نور فرحات، الفقيه الدستوري وأستاذ القانون، على تهمة «ازدراء الأديان» التي يحاكم عليها إسلام بحيري، قائلًا إن المادة 98 من قانون العقوبات، والتي يحاكم «بحيري» بناءً عليها يمكن القول إن الركن المادي فيها «غير منضبط، ومتروك لتقدير القضاة».

واستشهد «فرحات» في حديث خاص لـ«المصري اليوم» بما حدث مع الدكتور طه حسين، حين قُدم ضده بلاغ يتهمه نفس التهمة بعد كتابه «مقدمة في الشعر الجاهلي»، لكن وكيل النيابة الذي حقق معه رأى أن عميد الأدب العربي قام بواجبه في البحث، وحرية البحث مكفولة، وبالتالي فإنه لم يقترف جريمة، وتم حفظ القضية.

بعد عشرات السنوات يُحبس إسلام بحيري بنفس التهمة التي اتهم فيها طه حسين وبرأت ساحته، في عصر مختلف، وثقافة مختلفة، وهنا يقول «فرحات» إن الثقافة القضائية والخلفية الثقافية للقضاة تلعب دورًا مهمًا في تحديد إذا كانت الجريمة وقعت أم لا، موضحًا أن ثقافة القضاة الآن تكاد تكون مختلفة عن السابق، وذلك، وفقًا لرأيه، لأن أعداد كبيرة منهم لما فيهم وزير العدل تلقوا تعليمهم القانوني في كلية الشريعة، والمناهج بها تغّلب النقل على العقل، والمحافظ على التجديد.

وفقًا لعدد من الفقهاء الدستوريين والحقوقيين ورجال القانون، فإن التهمة التي يُحاكم استنادًا إليها «بحيري» غير دستورية، كما أوضح بعضهم أنها شُرعت في أجواء وظروف وملابسات مختلفة، وهو ما أكده المحامي حمدي الأسيوطي، الذي قال إن أغلب القضاة ينظرون إلى المادة 98 فقرة «و» بعيدًا عن أسباب التشريع وملابساته، قائلًا، لـ«المصري اليوم» إنه تم إصدارها في أبريل 1982 عقب اغتيال الرئيس محمد أنور السادات بشهور قليلة.

وأوضح أن هذا التشريع من أوائل التشريعات التي وصفها بـ«الجائرة والقمعية»، التي وقّع عليها الرئيس الأسبق، محمد حسني مبارك، وكان له ظروف معينة إذ كان المقصود به تجريم الجرائم التي تتعلق بالمساس بأمن الوطن، مؤكدًا أن المذكرة التوضيحية للقانون تقول إن المقصود من تلك المادة والفقرة بالتحديد هو منع السلفيين المتشددين من اعتلاء منابر المساجد أو إذاعة خطب تؤدي إلى الفتنة الطائفية، وعلى رأسهم الشيخ عبدالحميد كشك.

ودلل «الأسيوطي»، صاحب كتاب «ازدراء الأديان»، على رأيه قائلًا إن المادة التي سجنت إسلام بحيري وهي 98 من قانون العقوبات لا تتعلق بازدراء الدين ولذلك فهي تأتي في القانون ضمن سلسلة مواد تتعلق بالمساس بأمن الدولة، ولم تكن ضمن المواد التي تتعلق بالاعتداء على الدين كالمادتين 161، 162 من نفس القانون.

وفي هذا الشأن طالب الدكتور نور فرحات بمراجعة جميع نصوص قانون العقوبات وإلغاء النصوص التي تتعارض مع حرية الرأي والتعبير التي يكفلها الدستور، مطالبًا النائب العام، باعتباره ممثلًا عن المجتمع، بوقف تنفيذ الحكم حتى تفصل محكمة النقض فيه، كما ناشد مجلس النواب بدعم كرامة الموطن وحريته ومراجعة النصوص القانونية.

اتفقت الآراء القانونية على ضرورة مراجعة المادة التي حوكم بها «بحيري»، وقال «الأسيوطي» إن المادة أعطت اختيارية الحكم للقاضي بين الحبس والغرامة، لكن 99% من قضايا ازدراء الأديان يتم الحكم فيها بالسجن وليس الغرامة، كما أن «الأمر المؤسف»، على حد تعبيره، أن بعض القضاة يضعون في حيثيات حكمهم أنه يجب تشديد العقوبة إلى أكثر من 5 سنوات، الحد الأقصى للسجن في تهمة ازدراء الأديان، وفقًا لقانون العقوبات.

«الحكم يصب في مصلحة داعش والدولة الدينية وبقاياها».. كان التعليق الأخير للمحامي حمدي الأسيوطي، على حبس إسلام بحيري سنة في تهمة ازدراء الأديان، وبخلاف الشق القانوني الذي قال المحامي الحقوقي نجاد البرعي عنه إنه النص «الجائر»، على حد تعبيره، ويتحمل مسؤوليته المشرع ورئيس الجمهورية الذي كان يملك سلطة التشريع قبل انتخاب مجلس النواب، فإن «البرعي»، أكد في تصريحاته لـ«المصري اليوم» أن ما حدث مع «بحيري» لا يتعد كونه صورة من صور تدهور حرية الرأي والتعبير والذي تشهد أسوأ مراحلها منذ منتصف يوليو 2013.

وأضاف «البرعي» أن الأمر لا يمكن النظر إليه بشكل منفرد، لأن ذلك مرتبط بتدهور حرية الرأي والتعبير وإصدار قوانين ظالمة مثل قانون التظاهر والتضييق على بعض الإعلاميين وإقصاء بعضهم، على حد قوله.

يوافقه في الرأي جمال عيد رئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، والذي قال إن مصر تتحول إلى دولة مظلمة بعد هذا الحكم الذي يأتي ضمن سلسة أحكام أخرى تطال آخرين، موضحا أن ما كان يخاف منه الناس في زمن الإخوان حدث الآن في عهد الرئيس السيسي، إذ كانت هناك مخاوف عدة من محاولة الإخوان القضاء على أصحاب الآراء الدينية المختلفة، ولكن ذلك لم يحدث، وفقًا لحديثه، لكنه يحدث الآن رغم حديث النظام الدائم عن مدنيته.

ويقول «عيد»، لـ«المصري اليوم»: «الدولة تتحدث عن مدنيتها طوال الوقت وتقول إنها مختلفة عن نظام الإسلاميين المتشددين، لكن ما يحدث الآن من محاكمة (بحيري) لم يحدث في عهد الإخوان، وكانت أكثر القضايا في عهدهم قضايا إهانة الرئيس، أما الآن فالقضايا أكثرها ازدراء للأديان».

وفي الوسط الثقافي، لاقى قرار حبس إسلام بحيري امتعاض العديد من المثقفين، إذ وصفه الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، بـ«وصمة عار في جبين الثقافة المصرية»، قائلًا لـ«المصري اليوم» إنه يجب على المثقفين أن يقفوا وقفة رجل واحد لأن الذي جرى لـ«بحيري»، سيكون كل مثقف في عرضة له قريبًا إذا لم يقف ضد الحكم «الجائر»، على حد قوله.

ويرى «عصفور» أن «بحيري» مارس حقه في الرأي والتعبير، وأنه كان ملتزمًا لما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسي وطالب به أكثر من مرة في حواراته من ضرورة تجديد الخطاب الديني، لكن الأزهر قابل آرائه بجهل شديد، حسب تعبيره.

الشاعر رفعت سلام هو الآخر وصف الحكم بـ«العار»، قائلًا إنه «دخل التاريخ من أسوأ أبوابه لأن مواجهة الرأي أيا ما كان بالحبس هو سمة الأنظمة والمجتمعات الفاشية التي فقدت عقلها وبحثها في هذا الرأي»، مضيفًا: «بصرف لنظر عن الاتفاق مع إسلام بحيري أو الاختلاف معه فإن الحكم أدخله التاريخ مثل فرج فودة ونجيب محفوظ وطه حسين، وغيرهم من ضحايا التعصب في مواجهة حرية الرأي والتعبير».

الحائز على جائزة «كفافيس» الدولية للشعر عام 1993، انتقد الوضع الثقافي في مصر حاليًا، وقال إن مصر الآن تشهد أسوأ حالات وأوضاع الثقافة بما لا يقاس بعشرينيات القرن الماضي، موضحًا أنه يجب على المثقفين أن يتضامنوا بشكل أكبر مع «بحيري»، لأن «التضامن على فيس بوك ليس الحل»، على حد قوله.

برأي مخالف، تحدث الشيخ أحمد كريمة، أحد علماء الأزهر، وقال إن «بحيري» تعامل بـ«عدم أمانة النقل وفحش اللفظ»، وإنه لو كان تعامل بأخلاقيات البحث العلمي وأدبياته ما ثار عليه أحد، مضيفًا لـ«المصري اليوم» أنه كان يود أن يعتذر «بحيري» عن أرائه في مشيخة الأزهر وبعقد جلس صلح مع العلماء ويعترف بأنه كان «انفعاليًا» ويتراجع عن منهجه الانتقائي لأن المنهج الاستقرائي هو الصحيح، على حد قوله.

ورفض «كريمة» التعليق على الحكم القضائي بحبس «بحيري»، وقال إنه لا يشمت ولا يتمنى لأي شخص أن يُسلب منه حريته، كما أنه رفض القول إن الأزهر تشدد في موقفه مع إسلام بحيري، وقال إن الأزهر حين سكت اتهمه البعض بأنه تقاعس عن نصرة الشريعة الإسلامية، وحين تحرك اتهمه البعض بالتشدد، قائلًا إن «بحيري» تفوه بألفاظ سيئة ضد علماء الأمة والدين.

واستنكر الرأي الذي يقول إن الأزهر كان يجب أن يواجه رأي «بحيري» برأي، وليس بالهجوم، وقال: «كيف للأزهر أن يترك القضايا الهامة مثل داعش والإرهاب والخوارج ويتفرغ لإسلام بحيري، إذا كان يملك ملاحظات كان عليه أن يرسلها إلى الأزهر لنرد عليه».

رأي الأزهر هاجمه جابر عصفور، وقال إن الأزهر جامد ولا فائدة منه، و«بحيري» كان من الطبيعي أن يصطدم مع علمائه الجامدين، حسب تعبيره، قائلًا: «نحن أمام أزهر يبيح زواج القاصر، ورجل مفكر، ومن الطبيعي أن يصطدما».

بعض من أفكار «بحيري» التي انتقدها الأزهر ووجد فيها مساسًا للعقيدة والدين، نصفها الدكتور على مبروك، أستاذ الفلسفة في جامعة القاهرة، وقال إنه يجب وضع تعريف الدين بشكل صحيح، متسائلًا: «متى وكيف أصبح الأئمة والصحابة جزء من الدين».

وأضاف لـ«المصري اليوم»: «لا بد من التمييز بين مضمون ما قال إسلام بحيري وأسلوبه في القول، وكثير مما قاله ينبغي التأمل فيه والبحث والتعقل والتفكير فيه، وآن الأوان لفتح الباب حول تلك الأسئلة وهي كيف أصبح للحديث والسنة كل هذا التقديس ما جعل خلخلة ذلك غير مقبول إلى هذه الدرجة».

ورغم اتفاقه مع بعض أفكار «بحيري»، إلا أن «مبروك» انتقد أسلوبه في عرض الأفكار، لكنه رفض مواجهة أفكاره بالحبس، داعيًا إلى ما سماه «قراءة دلالات قانون ازدراء الأديان»، وضرورة الإجابة على سؤال «ما هو الدين؟»، مستنكرًا: «كيف يصبح الأئمة والصحابة جزء من تعريف الدين ومن يختلف معهم يصبح خاطئ أو يزدري دينه؟».

من جهته، استنكر المستشار أحمد ماهر عبده، المفكر الإسلامي، رأي الأزهر في من يخالفه في الاجتهاد الديني، وقال إن الأزهر المرجع الوحيد للمؤسسات الرسمية»، مضيفًا، في تصريح لـ«المصري اليوم» أنه ليس من حق أحد مصادرة الأفكار، الأزهر المرجع الإسلامي للدولة، لكن الأفكار ليست ملك أحد، ومن حق الجميع التحدث، ومن حق الجميع الإيمان أو الكفر، مستشهدًا بقوله تعالى «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر».

«الكل يدفع ثمن أفكاره، وإسلام بحيري يدفع ثمن أفكاره التنويرية».. قالها جابر عصفور، مطالبًا كل مثقف أن يقف مع «بحيري»، وأنه على الجميع أن يتكاتف كل في مجاله حتى يتم تعديل القانون المعيب الذي يحاكم المثقفون به، مختتمًا حديثه: «عليان أن نكون جميعًا إسلام بحيري».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية