في حضرة مئات الشيوخ من الأزهر، يتقدمهم أحمد الطيب، ومفتي الجمهورية السابق والحالي، وعدد كبير من رجال الدولة والدين، دعا الرئيس عبدالفتاح السيسي، مطلع هذا العام، أثناء احتفاله بالمولد النبوي، إلى «ثورة دينية» تعمل على «التخلص من أفكار ونصوص قدسناها لقرون وباتت مصدر قلق للعالم كله».
«أنا مش بقول الدين، أنا بقول الفكر اللي بنقدسه وبقى مصدر قلق، نصوص وأفكار تم تقديسها على مئات السنين، وأصبح الخروج عليها صعب أوي، وبتعادي الدنيا كلها».. في الأزهر قالها السيسي معترضًا على «نصوص تدمر العالم»، على حد قوله، موجهًا رسالة إلى علماء الأزهر: «والله لأحاجكم به يوم القيامة».
وبعد حوالي عام من دعوة الرئيس، يقبع الآن إسلام بحيري، في سجن طرة، بعد الحكم بحبسه عامًا بتهمة «ازدراء الأديان»، وفي أول تعليق له على حكم حبسه، قال غاضبًا إنه «يشكر الرئيس عبدالفتاح السيسي ويشكر ثورته الدينية وكل القائمين على الدولة، وحرية التعبير في الدولة واللي بينفذوا القانون والدستور».
«بحيري»، الذي قال من قبل إنه «لا يتخيل أن يضيع مستقبله بسبب أفكاره»، استنكر في مداخلة هاتفية ببرنامج «القاهرة اليوم»، مساء الإثنين، الحكم بحبسه، ووجه رسالة إلى الرئيس: «قولوا للرئيس إنت طالبت بالثورة الدينية والحمد لله اللي بيعملوا ثورته الدينية بيتسجنوا الحمد لله عشان مقلوش حاجة غلط».
وبينما يرى «بحيري» أن آرائه «استجابة لدعوة الرئيس، وتدافع عن الدين ولا تزدريه»، يرى الأزهر أن ما قاله آراء «شاذة وتتعمد النيل من أئمة وعلماء الأمة الأعلام المشهود لهم بعلو المكانة ومنزلة تراثهم الذي لا ينكره إلا موجَّهٌ أو جاحدٌ أو غير مدرك لما يحويه هذا التراث العظيم الذي أثرى المكتبة الإسلامية بل والعالمية».
ورأي الأزهر في «بحيري» قاده إلى وقف برنامجه على «القاهرة والناس»، والذي قال خلاله آرائه في بعض الأفكار والنصوص الدينية، ما جعل الأزهر في مرمى نيران قطاعات كبيرة من المدافعين عن الاجتهاد الديني و«الثورة الدينية».
ويقول الحقوقي جمال عيد، رئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، إن الأزهر ساهم في التشدد، وكان جزءًا من خلق سياق معادي لحرية الفكر والتعبير والاجتهاد الديني، مضيفًا لـ«المصري اليوم» أنه لا يمكن القول إن الأزهر سجن بحيري، ولكن الحقيقة إنه تشدده ضد حرية الرأي والتعبير أدت إلى ذلك.
من جهته، استنكر المستشار أحمد ماهر عبده، المفكر الإسلامي، رأي الأزهر في من يخالفه في الاجتهاد الديني، وقال إن الأزهر المرجع الوحيد للمؤسسات الرسمية»، مضيفًا، في تصريح لـ«المصري اليوم» أنه ليس من حق أحد مصادرة الأفكار، الأزهر المرجع الإسلامي للدولة، لكن الأفكار ليست ملك أحد، ومن حق الجميع التحدث، ومن حق الجميع الإيمان أو الكفر، مستشهدًا بقوله تعالى «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر».
وما بين هذا وذاك يثير ما حدث لـ«بحيري» تساؤلًا هامًا ومخاوف عديدة لدى قطاعات كبيرة من المثقفين في مصر، خاصة أنه يأتي متزامنًا مع محاكمة الشاعر أحمد ناجي بتهمة «خدش الحياء»، ما قد يبدو وكأن الأمر هجوم من الدولة على حرية الرأي والتعبير.
وفي هذا الشأن يقول جمال عيد، إن الحكم «صدمة وطعنة لحرية الرأي والتعبير وحرية الاجتهاد»، موضحًا أن «كل صاحب رأي حتى لو مش ضد النظام لكن مع الاجتهاد الديني مصيره السجن».
الأمر الأكثر إثارة للمخاوف، من وجهة نظر كثيرين، هو عودة ما يمكن أن نطلق عليه «طيور الظلام»، وهم أصحاب الآراء المتشددة التي تصادر كل فكر أو رأي مخالف، وتدعو إلى تكفيره أو حبسه أو كتم صوته، وهو ما كان يخاف منه قطاعات عريضة من المثقفين والليبراليين واليساريين في عهد محمد مرسي.
والأكثر غرابة، وفقًا للحقوقي جمال عيد، إن ما كان يخاف منه الناس في زمن الإخوان حدث الآن في عهد الرئيس السيسي، إذ كانت هناك مخاوف عدة من محاولة الإخوان القضاء على أصحاب الآراء الدينية المختلفة، ولكن ذلك لم يحدث، وفقًا لحديثه، لكنه يحدث الآن رغم حديث النظام الدائم عن مدنيته.
ويقول «عيد»: «الدولة تتحدث عن مدنيتها طوال الوقت وتقول إنها مختلفة عن نظام الإسلاميين المتشددين، لكن ما يحدث الآن من محاكمة (بحيري) لم يحدث في عهد الإخوان، وكانت أكثر القضايا في عهدهم قضايا إهانة الرئيس، أما الآن فالقضايا أكثرها ازدراء للأديان».
«مصر تتحول إلى دولة مظلمة».. هكذا رأى الحقوقي جمال عيد، صباح الثلاثاء، تعليقًا على حبس إسلام بحيري عام، بينما كان التعليق الأخير لـ«بحيري» قبل إيداعه السجن أن «مصر هي بلد الظلم».