x

«شهادة صحفية» عن زيارة المدن المحررة من قبضة التنظيم .. داعش مرّ من هنا

الأحد 27-12-2015 20:48 | كتب: صفاء صالح |
ايزيديون فى أحدى مخيمات الإيواء ايزيديون فى أحدى مخيمات الإيواء تصوير : اخبار

حلم السفر

منذ أن سقطت الموصل فى يد «داعش» فى يونيو 2014، ورأيت صور المهجرين من المسيحيين الذين تركوا منازلهم عنوة، وشاهدت فيديوهات تحطيم الدواعش لآثار نينوى، وهم يقفزون بمعاولهم بين التماثيل محطمين كل ما تصل عليه اياديهم من آثار وكأنهم الشياطين تمرح داخل متحف نينوى لمحو تاريخ العراق، أدركت كيف يتعامل هذا التنظيم مع البشر والحجر، فيما سطا عليه من مساحات، وبات السفر إلى العراق حلما يساورنى بصفة شبه يومية.

كانت بداية تحقق الحلم عندما استقبلت دعوة لحضور مؤتمر فى بغداد عن مستقبل الشباب بالوطن العربى، فى أغسطس الماضى، ولكنى لم أوفق فى الحصول على التأشيرة، حيث باتت كلمة صحفى فى خانة المهنة بجواز السفر عائقا للوصول إلى أماكن كثيرة من أراضى الصراع بالوطن العربى، فالمسؤولون عادة لا يريدون تحمل التبعات الأمنية لسفر صحفى وتجوله بأماكن تشكل خطورة على سلامته، وما لبث الأمل فى السفر لعاصمة الرشيد أن تجدد، عندما قامت نفس الجهة العراقية بعمل مؤتمر آخر ببغداد فى نوفمبر الماضى، ونجحت بالفعل فى الخروج من مطار القاهرة بالموافقة الأمنية الممهورة بخاتم وزارة الخارجية العراقية، والحصول على تأشيرة دخول من مطار بغداد تتيح لى الإقامة فى العراق لمدة أسبوعين.

نازحو الفلوجة يقفون على جسر بزيبز لانهم ممنوعون من دخول بغداد

ما إن وصلت الفندق فى بغداد، حتى توالت على مسامعنا التعليمات، أنا وكل المشاركين بالمؤتمر، وكلمات التحذير من الخروج وحدنا إلى شوارع العاصمة، بحجة أن الوضع الأمنى غير مستقر بالنسبة للغرباء، لم أخبر أحدا من منسقى المؤتمر حقيقة اننى لم آت من أجل المشاركة فى مؤتمرهم، بل من أجل تلك الشوارع التى لا يريدون لى الخروج إليها، فى المساء كنت قد أجريت اتصالاتى لعمل حوارات صحفية مع مسؤولين بالحكومة العراقية، وعلى مدار ثلاثة أيام كنت أحضر فعاليات المؤتمر صباحا، وفى المساء أخرج خلسة لمقابلة المصادر، متعللة أنى قد أصابتنى نوبة برد بسبب تغيير الجو ولن أخرج مع مجموعة المؤتمر فى حفلاتهم المسائية.

عندما نجحت فى ترتيب موعد مع دكتور سليم الجبورى، رئيس البرلمان العراقى بمكتبه بالمنطقة الخضراء، فوجئت بمدير مكتبه الدكتور أحمد المحجوب، يأتى بنفسه ليصطحبنى من الفندق، لأن دخول المنطقة الخضراء فى حد ذاته لم يكن بالشىء السهل، وهذا ما اكتشفته من عدد المصفحات والنقاط الأمنية المكتظة بالمسلحين، والذين يقومون بالتأكد من هوياتنا منذ البوابة الأولى للمنطقة وحتى مقصدنا عند باب مكتب رئيس البرلمان.

فى اليوم التالى لعمل الحوار، قررت أن تكون وجهتى هى بلد أبوبكر البغدادى، كيف تربى، كيف يعيش أهله، وأعلنت لأصدقائى أننى سوف أسافر إلى سامراء، خاف الجميع على، خاصة أن أحدهم لم يدخلها منذ فترة طويلة، ولكن ردى كان حاسما، «سوف أغادر بغداد إلى كردستان بعد غد، لذا فسوف أذهب الى سامراء مهما كلفنى الأمر»، سألت عن ماهية قوات الحشد على الطريق بين بغداد وسامراء، وعلمت أن معظمها حشود شيعية، فكان طلبى «أريد سائق تاكسى شيعيا أمينا»، وفى الثانية صباحا تلقيت مكالمة على هاتفى المحمول: «آلو، ست صفا؟ أنا حمود السائق اللى هيصحبك لسامراء، موعدنا فى الخامسة صباحا، حتى نستطيع الوصول مبكرا لأن السيطرات كثيرة وعبورها يستغرق وقتا».

وفى الخامسة صباحا، كنت أمام الفندق فى انتظار السائق، تصاحبنى نظرات الريبة من عمال وحراس الفندق الذين انتابتهم الدهشة لخروجى فى الظلام، حتى إن أحدهم ظل يراقبنى من بعيد حتى انطلق حمود بالسيارة.

نازحات إيزيديات فارين من بطش داعش

مصير أطوار بهجت

وفى التاسعة صباحا كنا على أعتاب سامراء، بعد أن تم إيقافنا فى عدد من السيطرات يقدر بالمئات، وفى كل سيطرة يطلعون على جواز السفر الخاص بى ويسألون عن سبب دخولى سامراء وإن كنت نسقت مع أحد من القيادات أم لا، لم يكن السائق حمود بانتمائه الشيعى هو ضمانى الوحيد لعبور «سيطرات»، (نقاط تفتيش) الحشد الشعبى، بل كنت قد حصلت على وسيلة اتصال مع مهند، مسؤول الإعلام بقوات سرايا السلام، التابعة لمقتدى الصدر، والتى تسيطر على نقاط كثيرة بالطريق إلى سامراء، عندما وصلت إلى حدود سامراء، قابلت مهند واصطحبنى إلى أحدث المناطق المحررة بأطراف سامراء، ولكننى لاحظت أنه يريد وثلاثة من قواته اصطحابى فى رحلتى، ولكننى أبيت إلا أن أكون وحدى، فقط طلبت منهم أن يدلونى على الطريق إلى «الجبورية الأولى»، حيث مسقط رأس البغدادى، لأن هناك من ينتظرنى من أهل المدينة وهو شيخ عشيرة كبير ويعتبرنى فى حمايته، وسوف يغضب إذا ما لجأت لحماية غيره، كان هذا عذرا شبه كاف ليتركونى وحدى ولكن كان مقابل ذلك ألا يرد مهند على مكالماتى، وأنا بالطريق مرة أخرى.

أحد الكمائن الأمنية المنتشرة فى الطرقات بين بغداد وسامراء

بعث لى الشيخ علاء أحد كبار مشايخ قبيلة الجبورى بسامراء ابن أخيه، كى يصحبنى فى «الجبورية»، هناك فى مسقط راس أبوبكر البغدادى، حيث الشوارع شبه خاوية إلا من صفير الرياح وقليل من البشر المتوجسين خيفة من غربتى عليهم، لم يجبنا أحد على سؤال، الجميع يلتزم الصمت، وينظر بريبة إلى هؤلاء الغرباء، وما إن أخرجت «الكاميرا» وبدأت فى تصوير مسجد «أحمد بن حنبل» نفس المسجد الذى كان أبوبكر البغدادى يؤم فيه المصلين وينشر دعوته، وكان شاهدا على البدايات الأولى لتكوين خلايا «داعش»، حتى كانت العيون قد أبلغت مركز الشرطة الذى كان يقع على بعد مائتى متر منى دون أن أدرى، وجاء السؤال: «ماذا تفعلين هنا؟ وهل معك إذن بالتصوير؟»، تم اصطحابنا إلى قسم الشرطة، الذى كان الضابط برتبة ملازم به على درجة عالية من التعاون اتضحت فى مكالمته الهاتفية مع قائده وهو يقول «هذه صحفية مصرية قطعت كل هذه المسافة من بلدها، إلى سامراء كى تنقل الحقيقة، فماذا لو نتركها تصور؟»، وكنا على وشك الخروج بصحبة قوة لدخول منزل أبوبكر من الداخل، إلا أن القائد أسرع بالقدوم وقابلنا فى طريق خروجنا من القسم، ليعود بنا مرة أخرى ويطلب موافقة قيادة القطاع، ليقوموا باصطحابى إلى مقر قيادة الأركان، وهناك فى تحقيق ودى، أخبرتهم أننى لا أريد إلا رصد انتصاراتهم على «داعش»، وتصوير منزل البغدادى ومسجده، ولكنهم رفضوا على وعد بأن أعود بعد يومين ليسمحوا لى بالتقاط ما أريده من الصور والتحفظ على ما تم تصويره.

أحد الكمائن الأمنية المنتشرة فى الطرقات بين بغداد وسامراء

وفى الطريق أقنعت الضباط بأننى سوف أرحل وأعود بعد يومين، وعندما تركتهم كان مرافقى اتصل بعمه زعيم العشيرة وأخبره بما حدث معى وأننى الآن أبكى لأنهم سطوا على صورى ولا أستطيع تعويضها، وهنا حدثنى الشيخ الذى كان يشعر بنوع من المسؤولية عنى وأخبرنى أننى سوف أصور ما أريده، وبعث لى من أهل المكان من اصطحبونى بعيدا عن أعين الشرطة لأصور ما أريد وأرحل، كان خوف الشيخ علىّ شديدا وكان يلح على فى العودة إلى منزله، ولكننى أخبرته أن التحقيق برئاسة الأركان قد عطلنى وأن الوقت ينفد وأريد التصوير قبل غروب الشمس، لذا فإن على الإسراع بالذهاب إلى منطقة «جيلامى» المحررة على تكريت، شكرت ابن أخيه، وانطلقت مع السائق، كانت المرة الأولى لحمود، السائق البغدادى، التى يتجول فيها بالتاكسى فى مناطق السنة، لذا ما إن تركنا مئذنة سامراء الملوية خلف ظهرنا حتى تاه حمود عن الطريق، وفى مفترق طرق يتوقف السائق ويسأل رجلا صادفناه بالطريق عن «جيلامى» فيخبره أنه من أهلها وأنه يستطيع أن يدلنا على ما نريد مقابل أن نصطحبه معنا، وكانت موافقتى على اصطحابه هى الخطأ الأكبر الذى وقعت به فى رحلتى بالعراق، فها نحن فى طريقنا إلى جيلامى المزعومة، توقفنا «سيطرة» للحشد الشعبى، ولكن فى هذه المرة توقفنا بعنف، ويتحدث إلينا أحد أفرادها بعصبية، كان معى على الهاتف «سيد تركى»، رئيس قسم التحقيقات بـ«المصرى اليوم»، كان يطمئن على خروجى من التحقيق بمقر الأركان سالمة، وما لبثت أن طمأنته حتى سمع الأوامر لى بغلق الهاتف والتوقف عن الحديث به، أغلقت الهاتف وتساءلت: لماذا كل هذه العصبية لم يجبنى أحد، ولكنهم طلبوا جواز السفر وأوراق جنسية حمود، والمرافق المجهول لنا، ودخلوا إلى مقر السيطرة على مسافة مائتى متر منا، ومر الوقت وهم مختفون بالداخل، فقط ذلك الرجل ذو الوجه العابس والكلمات المقتضبة يقف بجوارى مع 4 آخرين أقبلوا علينا من الداخل، وبين الحين والآخر يوجهون حديثهم وأسئلتهم إلى حمود بعد أن يأخذوه بعيدا عنى، ومر الوقت وأنا أنتظر، وأتساءل: أليست هذه سيطرة مثل كل السيطرات التى نمر عليها منذ الصباح، لماذا تحتجزوننا، ثم إذا باتصال من الشيخ علاء الذى كان يتابعنى ويطمئن على، لأخبره بأننى محتجزة بدون وجه حق منذ فترة تزيد على الساعة، فيطلب منى أن أعطى الهاتف لأحد رجال السيطرة ليحادثه، أخذ الرجل الهاتف بعيدا وسلمه لمن هو أكبر منه رتبة، وبعد لحظات أعطانى إياه، لتصلنى كلمات الشيخ بصوت حاد يملؤه الخوف، يا بنتى أنت على بعد 5 كم من داعش، من أخذك إلى هناك؟، أنت لست فى طريق جيلامى، شرح الشيخ لهم أننى غريبة وتم تضليلى، بينما كان وجود حمود سببا آخر ليتركونا فما كان لشيعى أن يدخل مناطق داعش إلا إذا أراد الانتحار، تركونا بعد الاعتذار لنا وتحذيرنا من تكرار ذلك، بينما ظل مضللنا معهم ليستكملوا التحقيق عن أسباب اصطحابه لنا إلى داعش.

بعث الشيخ علاء بابن أخيه مرة أخرى ليصطحبنا إلى منزله بينما كان يتصل بى كل 5 دقائق تقريبا ليتأكد أننا على الطريق الصحيح، وما إن دلفت إلى حجرة الضيوف حتى وجدت زوجته فى انتظارى لتحتضننى وهى تبكى وتقول «يا بنتى كانوا واخدينك لقضاكى، إنه نفس المكان الذى قتلوا فيه أطوار بهحت ومثلوا بجثتها، فعلها بها ابن عمها الذى كان أحد أمراء القاعدة»، وعلمت أنها قد حمّلت زوجها ذنب دمى لأنه تركنى أذهب وحدى، لذا كان اتصاله كل بضع دقائق.

لقاء محررة المصرى اليوم بإحدى الناجيات الإيزيديات

تناولنا الغداء ثم صممت على الرحيل إلى منطقة أخرى محررة وهى منطقة بلد التابعة لمحافظة صلاح الدين أيضا، ولكن فى هذه المرة أجرى الشيخ اتصالا هاتفيا مع شيخ آخر من شيوخ تلك المنطقة ليكون معى على الهاتف طوال الطريق.

وعند الرحيل فوجئت بزوجة الشيخ تعطينى هدية «زجاجة عطر» لأنها لاحظت أننى أحب الروائح الجميلة حينما شاهدتنى وأنا أقطف ورودا من حديقتهم، لم أجد ما أبادلها به الهدية إلا ذلك الخاتم الفضى «الهاند ميد» الذى كنت أعتز به كثيرا، لتتركنى وهى تبكى كما استقبلتنى وهى تبكى، بعد أن أخذت على قسما أن أحافظ على حياتى ولا أتهور ثانية.

ذهبت إلى مدينة «بلد» ولم تكن المعاناة فى دخولها والخروج منها أقل من سامراء، فالحشد هناك مختلط نصفه شيعى والآخر سنى، فبينما كان حمود يمررنا من النصف الشيعى، كان هو نفسه سببا لريبة مقاتلى «السيطرات» الأخرى السنية، لذا كان علىّ الاتصال على مضيفنا الجديد من داخل المنطقة بكل سيطرة سنية ليؤكد لهم أنه ضامننا هناك.

نازحون من جبل سنجار يوم احتلال داعش للمدينة «صورة أرشيفية»

سيارة الإغاثة

وفى الواحدة صباحا رجعت إلى الفندق ببغداد مرة أخرى، بعد أن قضينا 5 ساعات بالطريق الذى كان معظمه مظلما، وكان والدا حمود، يتصلان به كل ربع ساعة تقريبا ليتأكدا أنه بخير وأنه خرج من مناطق السنة التى تقع تحت سيطرة داعش بسلام، وحينما سألته لماذا كل هذا القلق عليك؟ أخبرنى أن دخول هذه المناطق الآن مغامرة، فمازال لداعش رجال بها، حتى وإن تحررت، الأمان كله داخل بغداد، ولكن مغادرة أسوارها إلى تلك الأماكن باتت أمرا صعبا على أهلها، خاصة إذا كان شيعيا.

وبعد أن استيقظت من النوم صباحا أخذت أبحث عن الذهاب لمخيمات النازحين السنة الفارين من جحيم داعش بالأنبار حيث الفلوجة مرتعهم الأول فى مناطق السنة، اتصلت بصديق يعمل مع إغاثة اللاجئين ببرامج الأمم المتحدة وبالجمعيات الأهلية، وأخبرته أننى أريد الذهاب إلى جسر «بزيبز» حيث النازحون السنة، ولكننى لا أريد أن أمضى يومى على «السيطرات» كما حدث لى بسامراء، فإذا به يفاجئنى بإخراج حملة لبحث حال هؤلاء النازحين، وكانت السيارة تحمل شعار الأمم المتحدة، ذلك الشعار الذى جعلنا نخترق الطريق إلى النازحين دون توقف عند السيطرات، وهناك كانت أحوال النازحين السنة العالقين، أشد بؤسا من حال اللاجئين السوريين، فهم مطاردون من الجميع، من داعش الذين ينظرون إليهم على أنهم خونة، هربوا من وجه حربهم المقدسة، ومن الحكومة العراقية التى تتوجس منهم خيفة وتنظر لكل منهم على أنه مشروع «داعشى»، لذا كانت العيون معلقة بنا منذ أن توقفت السيارة بالقرب منهم، وأحسست بيدين صغيرتين تعبثان بملابسى برقة لألتفت فأجد إحدى الفتيات الصغيرات من أبناء النازحين، صارت تنظف لى ما تطوله يداها الصغيرتان من أثر المطر على ثيابى، فرفعت يدها وقبلتها، ولكن نظرتها الممتنة لزيارتهم الآملة فى خير يأتى إليهم كانت معبرة عن حال النازحين السنة الممنوعين من دخول بغداد إلا بكفيل من أهل المدينة يضمن أنهم لا ينتمون لداعش، جلسنا معهم وبحث أصدقائى من شباب الإغاثة احتياجاتهم وتركناهم تحت المطر دون شىء يحميهم إلا أسقف الخيمات المترهلة.

لأعود إلى بغداد ليلا حيث مقهى رضا علوان ذلك المقهى الذي أبى إلا أن يجمع أطيافا مختلفة من المثقفين الذين تنتمي قناعاتهم إلى عالم آخر خارج حدود دولة الطوائف، واستمعت إلى شباب صغير السن استطاعوا أن يرغموا أعلى مرجعية دينية بالعراق على مسانداتهم في المطالبة بدولة مدنية تحت شعار «نريد دولة مدنية باسم الدين باجونا (سارقوا) الحرامية».

السفر إلى كردستان

وفى اليوم التالى كان قرار السفر إلى كردستان، فلم يعد فى بغداد وأجوارها ما يثير شغفى الصحفى، كان على الرحيل للشمال، أخبرنى أصدقائى أننى يجب أن أخرج من الفندق قبل موعد الطائرة بخمس ساعات، بسبب الوقت الذى يستغرقه التفتيش فى مطار بغداد للمغادرين، وبالفعل قضيت أكثر من ساعتين فى نقاط التفتيش من ساحة عباس بن فرناس، حيث تغادر سيارتك وتقوم إحدى سيارات الأجرة بالساحة بتوصيلك إلى صالة المغادرة بمطار بغداد، فى كل مرة يتم تفتيش كل شىء بما فيه التفتيش الذاتى، حتى وصلت إلى صالة الانتظار لأصعد إلى الطائرة المتوجهة إلى أربيل فى السابعة مساء.

وعندما وقفت أمام ضابط الجوازات بمطار أربيل أخبرنى أن إقامتى مدتها 15 يوما فى العراق كله، وأن على إحضار سمة مغادرة من دائرة إقامة أربيل فى طريق عودتى فأنا لم أحصل على تأشيرة لدخول كردستان نفسها، وإلا سوف أكون عالقة هنا بالمطار يوم المغادرة.

فى الصباح كان يوم جديد فى بلد مختلف، كانت الشوارع مليئة بالأزهار، ومشاعر الدفء والحب للهجتى المصرية التى لاحظتها مع كل من سمع كلماتى ليبادرنى بسؤاله: «إنتى مصرية؟»، فالأكراد يعشقون مصر والمصريين، فهناك ساعتان مخصصتان على تردد الإف إم هناك لأغانى أم كلثوم وعبدالحليم وعبدالوهاب وباقى مطربى الزمن الجميل، ولكن هذه اللهجة لم تشفع لى فى الحصول على تصريح بصعود الجبل، حيث سنجار المحررة، فكل يوم يؤجل التصريح، ثلاثة أيام مضت بأربيل كنت أبدأها صباحا بزيارة إلى المؤسسات الأمنية لطلب التصريح، ثم أتبعها بالعمل مع النازحين من الأقليات ومآسى تهجيرهم على يد داعش، وفى أحد المخيمات قابلت الخالة فيكتوريا، تلك السيدة الثمانينية التى نسيها أهل القرية حين فروا فزعين من داعش، لتجد شوارع القرية فى الصباح خاوية من البشر وجميع أبوابها مغلقة حتى أبواب الكنيسة، أخذت فيكتوريا تحدثنى عن «داعش» وما فعلوه معها خلال الأيام العشر التى قضتها معهم قبل أن يطلبوا منها المغاردة بعد رفضها تغيير ديانتها، ما عندهم دين «وقالت لى» شوفى بنتى مسلم يعرف دينه.. مسيحى يعرف دينه، هادولا ما عندهم دين، نظرت فيكتوريا إلى حجابى وقالت «تزعلين بنتى إنى أسبهم»، تخشى السيدة المسنة أن تجرح مشاعرى لأنها تعتقد أننى أنتمى لما ينتمون إليه، فأجبتها «لا ما ازعلش، أنا عارفة يا أمى إنهم ما عندهمش دين»، أعجبتها كلمة أمى التى أرددها فى حديثى دائما، وأصبحنا فى نهاية الحديث صديقتين. كان مع فيكتوريا عدد من العوائل المسيحية التى هجرت، وكلهم مرعوبين من فكرة تصويرهم فهم يحلمون بالعودة إلى قراهم ومدنهم، ويخشون أن يعرف التنظيم «داعش» أنهم يتحدثون عن جرائمهم، رغم أنهم أخذوا منهم كل شىء الأموال والأملاك والذهب، تروى لى إحداهن أنها رأت فى طريق هجرتها أحد رجال داعش على «سيطرة» بالطريق يخلع خاتما ذهبيا من يد امرأة مسيحية، كان هو كل ما خرجت به من الموصل.

أكملت العمل مع النازحين ولم أستطع الحصول على التصريح، فكان القرار بالصعود إلى الجبل دون انتظار لتصريح، فكل رحلة لابد لها من قرار مغامر، وقد كان قرار صعود سنجار بدون تصاريح أمنية هو مغامرتى فى كردستان، صحبتنى صديقة من سيدات المجتمع المدنى بأربيل، وأصر صديق إعلامى من الموصل أن يصطحبنا برحلتنا. فى السادسة مساء كان الانطلاق من أربيل إلى مدينة دهوك التى تتوسط المسافة بين أربيل عاصمة الإقليم وسنجار ذلك الجبل حديث العهد بالدواعش.

وعلى مسافة 200 كم لاحظت أننى كنت الأكثر حظا فى عبور السيطرات دون تصريح فقد كان جواز سفرى الذى يحمل جنسيتى المصرية وعملى الصحفى، جوازا لعبور معظم السيطرات، فيما كان صديقنا من الموصل الأكثر تعقيدا فهو لا يحمل إقامة دائمة بأربيل كما أن أصله الموصلى كان عائقا دائما أمامه، وفى السيطرة الأكثر تعقيدا على مشارف دهوك وصلنا فى العاشرة مساء، رفضوا عبورنا من السيطرة، محاولات عدة مع قيادات للبشمركة للتوسط لإدخالنا ولكن أحدهم لم يستجب، حتى الثالثة صباحا ونحن نحاول العبور، ونحن بالسيارة فى جو من الصقيع والبرد القارص، اتصلنا بأحد الأصدقاء فى دهوك، فأتى ليأخنا من السيطرة التى اشترطت ألا يدخل معنا الموصلى.

مدنية على جبل يسكنه المقاتلون

ثلاث ساعات قضيناها بمدينة دهوك وبدأنا الاستعداد لصعود سنجار منذ السادسة صباحا، كان الطريق إليها خاليا إلا من شاحنات النفط وسيارات البشمركة ونحن، لذا لم يكن مستغربا أن نكون جزءا من ذلك الحادث الذى وقع فى العاشرة صباحا بطريق الجبل، حيث توقفت شاحنة ضخمة فجأة فصدمتها من الخلف سيارة جيش للبشمركة، لتصطدم سيارتنا بسيارة البشمركة، وما هى إلا ثوان وتصطدم بنا من الخلف شاحنة أخرى عملاقة، ولكن سائقها انحنى بزاوية بسيطة فتلافى القضاء علينا. سمعت السائق المصاحب لنا يقول لصديقتى: أخاف أنظر على المصرية بالخلف، فأجبته: لا أنا لسه عايشة ما تخافش، ونزلنا جميعا من سياراتنا وكانت سيارتنا أكثر السيارات تضررا فحكم ضابط البشمركة على كل من سائق الشاحنة الأمامية والشاحنة الخلفية بـ100 ألف دينار(90 دولارا) كنوع من التعويض لسائق السيارة التى كنا نستقلها، واستغرق الأمر وقتا طويلا لأن سائق الشاحنة الأمامية لم يكن يريد أن يدفع شيئا، وظلت الأطراف تتناحر وتتناقش لما يفوق الساعة وأنا أراقبهم بجوار السيارة، فعادة لا أتحدث بلهجتى المصرية كثيرا طالما لم يتحتم الأمر، لأننى لا أضمن رد فعل من يعلم أننى مصرية فربما يقوم أحدهم بتدمير كل خططى، حتى سمعت ضابط البشمركة يقول إذن ننتظر المرور، فإذا بى أقول: مرور؟، بعد العطلة دى كلها مرور؟ إحنا كده هنطلع الجبل بعد الشمس ما تغيب، وتوجهت إلى السائق سبب المشكلة وكان شديد القصر وأنا أصرخ فى وجهه بعد أن فقدت أعصابى: «إنت أصلا سبب المشكلة، إنت لو طلت الدريكسيون استحالة تطول الفتيس!!»،ثم التفت الى الضابط وسألته بحدة «ازاى آخد رخصة قيادة لكل الشاحنة دى اصلا؟» فاذا بضابط البشمركة ينظر لى بدهشة وهو يضحك ويسألنى إنتى مصرية؟، ثم يعرض علينا أن يصحبنا، ويقوم بحل سوء التفاهم ويسبقنا بالطريق لنتبعه إلى الجبل، الجبل اليوم للبشمركة ومن يعاونهم من قوات الحشد الشعبى، لا وجود لمدنى واحد هناك، فقط أنا وصديقتى العراقية، وفى منزل القاضى الشرعى لتنظيم «داعش» تناولنا غداءنا مع أحد قيادات الفوج الثامن من قوات سنجار، أخذت أقلب فى مكتبة القاضى لأجد كل كتب القانون التى لم يعمل بما فيها يوما، أردت أن أدخل البيوت التى كان يسكنها داعش، تجولت فى المكان حتى وجدت منزلا حمل علامةغريبة تشبه النجمة، رسمت باللون الاصفر وكتبت تحتها «بيت إيزيدى»، ثم على بابه خط أحد رجال داعش هذه العبارة أو بمعنى أدق ذلك التحذير «ممنوع الدخول بأمر الدولة الإسلامية»، وقفت أقرأ العبارات على حائط المنزل، ثم هممت بالدخول قبل أن يصرخ فىّ أحد جنود البشمركة: ممنوع الدخول المنزل مفخخ، فأخبرته أننى أريد أن أرصد المنزل من الداخل، وأننى سوف أدخل وحدى إن كانوا يخافون، ولكنه وبصوت أكثر صرامة صرخ فى وجهى، هل تركت مصر وأتيت إلى هنا حتى تموتى فى هذا الجبل؟، كل المنازل التى كتبت عليها هذه العبارة انفجرت مع من دخلها، الدواعش تركوا المنازل والسيارات مفخخة ولن نسمح لك بدخول منزل لم يتم اختباره بعد.

أثناء حديثى مع اللواء فتحى عبده قائد الفوج السابع من قوات دهوك التابعة للبشمركة، حملنى عتابا للمصريين، فقال لى: نحن الأكراد نحب الشعب المصرى جدا، فلماذا يقول الفنانون فى الأفلام المصرية أنت بتستكردنى؟، هل نحن فى نظركم أغبياء؟، صمت لحظة وأنا أفكر فى أصل الكلمة، إذن هى من أكراد؟، فاعتذرت له وأخبرته أننى شخصيا أستخدمها دون أن أدرى مصدرها، ولكننى وعدته أن أنقل للمصريين تعليقه.

حل الليل سريعا على الجبل مع غروب الشمس، فلا كهرباء أو أنوار تضيئه فى المساء، طلبت أن أبيت بالجبل لأحضر معارك الليل مع «داعش» ولكنهم رفضوا، لأن الجبل بعد المغيب يصبح كتلة من نار الصواريخ، وقنابل الطائرات وأنه علىّ الرحيل وبسرعة الآن.

نفذ السائق المصاحب لنا الأمر، والذى كنت قد اخترته من سائقى التاكسى الذين يقومون بتوصيل احتياجات الجيش من مدينة «دهوك» إلى سنجار، حتى يكون صعودنا إلى الجبل بدون مشاكل وقد كان رحيلنا عن الجبل فى مشهد أشبه بقصة هروب داخل الأساطير قبل صحوة الغول فى الليل، حيث كان السائق يسير باقصى سرعة لديه رغم الظلام الدامس الذى سريعا ما عم الطرقات، وبتنا على طريق طويل من ينجار إلى دهوك لمسافة تزيد على200 كم، لا يؤنس وحشتنا إلا أضواء الشاحنات العملاقة التى كانت تقابلنا آتية من الحدود السورية، والتركية، حيث صفقات النفط المهرب من سوريا للعراق او العكس.

الناجيات وحجابى

وهبطنا من الجبل إلى مدينة دهوك التى وصلناها قرب منتصف الليل، لأقضى بها ليلتى، وأبدأ رحلة جديدة من البحث فى مخيماتها على «الناجيات»، وهن العائدات من سوق جوارى «داعش» بالرقة عاصمة التنظيم بسوريا، لم يكن الوصول إليهن سهلا، نعم هن موجودات بين آلاف النساء من الطائفة الإيزيدية المشردة عن بكرة أبيها، ولكنهن ممنوعات من الحديث بأمر المشرفين النفسيين عليهن حتى موعد سفرهن إلى ألمانيا للعلاج النفسى وإعادة التأهيل، ليلحقن بأكثر من 500 سيدة وفتاه تحصلن بالفعل على قرار السفر، وكاد الجهد الذى بذلته منذ أن وصلت إلى بغداد بالبحث عن المراكز الحقوقية التى تقوم بمساعدتهن والتواصل معهن، ثم الوصول إلى خيماتهن داخل المخيمات، أن يضيع هدرا بعد رفض القائمين على المخيم، أكثر من ساعتين قضيتهما فى محاولة إقناع المسؤولين بأحد المخيمات، حتى أتت وساطة من مدير أحد المراكز الحقوقية الإيزيدية ببغداد، ليطلب من إحدى باحثاته التى تعمل على قصص الناجيات بتسهيل مهمتى فى المخيمات، لتأتينى مكالمتها كغريق مر من أمامه طوق نجاة، فقد كانت روايات الناجيات والتأكد من حقيقة سوق نخاسة الرقة هى قصتى الأهم فى العراق، بل واستطعت اللحاق بأبو شجاع «محرر الجوارى» الذى شكل شبكة لخطف بنات جلدته من الإيزيديات، من بيوت مغتصبيهم أو من نصبوا من أنفسهم ملاكا لهن بعد بيعهن فى سوق «الرقة» للنخاسة، وكان على موعد جديد لرحلة تحرير ناجية جديدة.

وكما كان حجابى محيرا أمام فيكتوريا، ورابطا بينى وبين داعش، كان فى بداية الأمر حاجزا بينى وبين «الناجيات»، ثم ما لبث أن كان تعاطفى ومشاعرى التى تخرج تلقائيا تفاعلا مع قصصهم وحنقا على داعش، جسرا للعبور إلى قلوبهن.

وأثناء حديثى مع الناجيات وتوثيق روايتهن عن قصة سبى الإيزيديات واغتصابهن وبيعهن فى سوق الجوارى، لم أكن أشعر بنفسى وأنا أتقصى كل معلومة فى رواياتهن وأستدرجهن لكل تفاصيل المأساة، أكملت عملى وعدت إلى أربيل ليلا، لأستعد صباحا إلى سفرى الذى كان موعده فى الحادية عشرة صباحا، وفى التاسعة دلفت إلى صالة المغادرة بمطار أربيل حاملة معى سمة المغادرة التى حصلت عليها من دائرة الإقامة قبل أن أسافر إلى دهوك، وجواز سفر ليس به إلا يوم واحد آخر للإقامة، وعشرون دولارا هى كل ما تبقى من نفقات رحلتى، لأفاجأ عند سؤالى عن رحلة مصر للطيران المتوجهة للقاهرة بأنها قد ألغيت، ولا طائرات أخرى للشركة إلا يوم الجمعة، أى بعد انتهاء فترة إقامتى بيوم، بحثت عن أى من موظفى شركة مصر للطيران فوجدت المكتب مغلقا بعد إلغاء الرحلة، اتصلت بالجريدة وأخبرتهم أننى يجب أن أغادر اليوم على أى خطوط طيران وأن هناك رحلة لطيران الشرق الأوسط من أربيل إلى بيروت ثم القاهرة فى اليوم التالى، وجاء الرد من القاهرة أنه تم الحجز على قائمة الانتظار ولا يوجد أى مقعد فارغ بالطائرة، فذهبت إلى مسؤول مكتب الشرق الأوسط بمطار أربيل وسألته إن كان يرى اسمى بالفعل على قائمة الانتظار، فرد بالإيجاب ولكنه أخبرنى أننى فى نهاية القائمة، وهنا قلت له «أنا مصرية وتأشيرتى نفدت مدتها وكذلك نقودى، فقط أطلب منك أن تجعلنى فى بداية القائمة، إن خلا مكان».

ووعدنى الرجل أن أكون على أول القائمة، 7 ساعات قضيتها بمطار أربيل فى انتظار مقعد فارغ بطائرة بيروت، وقبل أن يغلق «الكاونتر» بربع ساعة، نادانى موظف الشرق الأوسط وقال لى إن هناك تذكرة واحدة وإنه علىّ حجزها الآن، وبالفعل اتصلت بالجريدة وأخبرتهم، لأكون آخر المارين عبر الجوازات إلى طائرة بيروت.

وعلى كرسى بمطار بيروت قضيت ليلتى، فقد وصلت فى الثامنة مساء، وكانت رحلتى التالية إلى القاهرة ستقلع فى الثامنة صباحا، لأصل إلى القاهرة فى التاسعة ونصف صباح يوم الخميس.

وضعت حقائبى بالمنزل وتوجهت إلى الجريدة بعد الوصول مباشرة، لأسلم الفيديوهات، وعندما فتحت جهاز اللاب توب الخاص بى، لم أجد «الفولدر» الذى وضعته على سطح المكتب باسم «صور وفيديوهات العراق»، وأخذت أتذكر أين فتح اللاب توب للتفتيش وفى أى مطار، فوجدت أن رجال التفتيش بمطارى أربيل وبيروت قاموا بفتحه أكثر من مرة بينما كنت أنا أخضع للتفتيش الذاتى، ولكنى لحسن الحظ كنت قد خبأت نسخة أخرى بـ«فولدر» داخلى باسم «صور عيد ميلادى»، فوجدتها وتنفست الصعداء لأبدأ مراجعة المادة المصورة وإعادة مشاهدتها.

وحين قررت أن ابدأ الكتابة اخترت أقوى الموضوعات، «الناجيات» وكان خيارا سيئا للغاية، فقد دخلت فى حالة نفسية سيئة كان صعبا على الخروج منها بعد ذلك، كلما شاهدت الفيديوهات أتساءل كيف استطعت فعل ذلك، كيف استمعت إلى هذه القصص بقلب ميت، كيف استدرجتهن لسرد هذه المآسى وأنا فرحة بانتصارى المهنى، دون الانتباه أن حجم المأساة أكبر من مجرد سبق صحفى، وما لبث السيناريو اليومى أن يتكرر، حيث أقوم بفتح أحد الفيديوهات ثم أبكى بعد بضع دقائق من الحكى، وأغلق الجهاز وأصاب بحالة من الكآبة باقى اليوم، عدة أيام مرت وأنا على هذا الحال حتى أخذت القرار، سوف أتحامل على نفسى لأنقل الحقيقة، ثم أعالج نفسى من آثار آلام هؤلاء البشر، بعد أن أقوم بواجبى فى نقل مآسيهم، استوقفنى ما قرأته من فتاوى منذ العهد العثمانى تبيح كل ما حدث للإيزيديين من قتل واغتصاب وبيع وهو ما جعل خلفاء العثمانيين يقومون بعدة مذابح متكررة على مر التاريخ ضد الإيزيديين تحت مسمى «فرمانات»، كانت هذه الفرمانات شديدة الشبه بما يفعله بهم «داعش اليوم» وكانت دائما تستند إلى فتوى شرعية ضد الإيزيديين، تلك الفئة التى لا يوجد بها منزل تقريبا لم يسم الأب فيه ابنا من أبنائه باسم الإمام على كرم الله وجهه أو أحد أبنائه، وحين سألت أحد الإيزيديين عن ذلك أخبرنى أن عليا عندما علم بأمرهم فى العراق أمر بألا يمسهم سوء ولا يجور عليهم أحد وأنه كان يحسن إليهم.

قررت أن يكون أحد أهدافى القادمة هو المحاربة من أجل تنقية العلوم الشرعية من مثل هذه التفسيرات الخاطئة لديننا الحنيف، وأخذت أكرر لنفسى أن ما يؤمنون به من دماء واستباحة أعراض تحت مسمى غنائم الحرب ليس من دينى، وأنا لا أشبههم ولا هم يشبهوننى، لأول مرة فى حياتى أقف أمام ضحايا من يدعون أنهم مسلمون وأنا أبذل مجهودا لأدافع عن حجابى بالفعل قبل القول، وإننى مسلمة، ولكننى لست دموية أو إرهابية ولست عنصرية، وأن «داعش» لا يمثلنى ولا أمثله، وتساءلت فى نفسى أين الأزهر من تلك التفسيرات، أين هو من تلك الفتاوى التى تدرسها بعض مناهجه، أما آن لدين الرحمة أن يعرفه البشر بحق، أم أننا سنظل نبقى على فتاوى علماء جاءونا فى عصور من الظلام، فاحتفظنا بظلامهم، من حقى أن أدافع عن دينى فأجد مرجعية تسندنى، إنها حربى القادمة، أنا مسلمة وأريد لدينى أن يتطهر من دموية من ادعوا علمهم به يوما، فأصل الدين يقول «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية