جدتى (رحمها الله) لاقت ربها عام 1961. كنت أعتقد أننى أقرب ﺇنسان ﺇليها. بعد رحيلها بدأت أشك فى هذا الأمر. وجدت أن كل أحفادها وأولادها لديهم هذا الاعتقاد نفسه. يوم رحيلها كان يوم الاثنين 17 ﺇبريل. بعدها لم أعد أحب هذا الرقم. لأنه حاصل جمع أرقام سنة وفاتها. لاحظت بعد ذلك أن كل كارثة ألمت بى كانت يوم 17. لم أعد أخرج من البيت فى هذا اليوم. لا أوقع على شىء له قيمة. أتجنب ذلك قدر المستطاع.
كرهت الرقم «والشؤم عند التشاؤم». كما يقول المثل. أذكرها وهى تصلى فى غرفتها. وكأنها تصلى على قطعة من السماء. أو أنها متصلة بها بصورة أو بأخرى. أما عن أناقتها داخل البيت أو عند خروجها فحدث بلا حرج. فارق كبير بين الأناقة والتبرج. ذكاء وخفة ظل وحكمة. بالمناسبة لم تكن محجبة. كذلك بناتها ومنهن أمى. كلهن متدينات بلا حجاب. بلا حجاب على الرأس أو على العقل. مثلاً، كانت تنصحنى بأن أهتم بتنظيف أسنانى، وتقول ﺇن لم تفعل ذلك ستتجنبك الفتيات. أتذكر أننى عندما أقبل عليها مقبلاً يدها كانت تبادلنى بتقبيل راحة يدى.
مع ذلك كانت تطاردنى للاهتمام بدروسى. تقول لى «كفاك مرغا» فأنت لا تذاكر ولا تؤدى شيئا نافعا. أنت تتحرك فقط من مقعد لآخر ومن غرفة لأخرى.
كلما تساخفت أو جئت بعمل غير مقبول كانت تزجرنى وتقول «بلاش رزالة.. حاكم الرزالة دى مذاهب».
جاءتنى هذه الذكريات صباح اليوم. فعلا. كل شىء مذاهب.
ﺇذا نظرت حولك اليوم فيما جرى وما هو جارٍ فى مصر لوجدت شيئا جديدا واضحا. يمارسه بعض الناس بسلاسة غريبة. هو الندالة. الندالة بأنواعها. يمارسها الكثير من الكبار مقاما ورتبة إلى الحثالة. ندالة بتنويعاتها المختلفة.
الشهامة والندالة بينهما شىء مشترك. هو التوقيت. لا يظهر إلا فى الشدائد والمحن. فالدنيا مواقف. وفى المواقف يظهر المعدن الحقيقى للإنسان. وسبحان الله! هنا فقط يكون امتحاناً يتساوى فيه الجميع. بصرف النظر عن التعليم. تظهر القيمة الحضارية للإنسان. وزيراً كان أم خفيراً. فيما غير الشدائد والمحن قد يدل المظهر على غير ذلك. يظهر فيه الثمن وتغيب القيمة. فارق كبير بين ثمن الشىء وقيمة الشىء. لذلك أترحم على جدتى وهى تقول «إن الرزالة مذاهب». فقد أغفلت أن تقول لى «إن الندالة أيضاً مذاهب».