في بداية عام 2003، عند وصول رجب طيب أردوجان، لرئاسة الحكومة التركية، قرر فتح الباب أمام الواردات وزيادة التصدير، لينخفض معدل التضخم في عام 2004 إلى 9.4%، إلى جانب زيادة عدد المصانع من 3 آلاف مصنع إلى أكثر من 30 ألف مصنع تغطى مجالات تصنيع السيارات والملابس والمواد الغذائية والكيماويات والأجهزة الكهربائية، لتزيد صادرات تركيا من 30 مليار دولار عام 2003 إلى 150 مليار دولار في عام 2015.
واختارت تركيا هـذه الصناعات، لأنها كثيفة العمالة، ولا تحتاج إلى تدريب وتأهيل كثير لبدء العمل، حتى لقبت تركيا بـ«الصين في أوروبا».
وأصبحت تركيا من دولة لم يتخط معدل دخل الفرد فيها 3 آلاف دولار عام 2002، إلى بلد بات دخل الفرد فيه يزيد عن 10 آلاف دولار، ومن دولة كانت معدلات التضخم بها عام 2001 «70%»، إلى دولة باتت تحتل اليوم المركز الـ17 بين اقتصادات العالم، والسادس على مستوى أوروبا.
كيف وصلت الصادرات التركية لـ150 مليار دولار سنويا (8 أضعاف مصر)؟ وكيف يمكن لمصر أن تستفيد من هذه التجربة؟
حددت الحكومة التركية الإجراءات، التي عليها القيام بها لزيادة صادراتها، والمتمثلة في «القوى العاملة المؤهلة، والكفاءات الاقتصادية في الإدارة، والبنية التحتية، وحوافز الضرائب المنخفضة».
بهذا وضعت تركيا بين 4 خيارات، أولاها توفير القوى العاملة المؤهلة، ليحقق الأتراك أطول ساعات عمل، وأقل عدد أيام إجازات مرضية للموظف في أوروبا بمعدل 53.2 ساعة عمل في الأسبوع، ومتوسط سنوى لعدد أيام الإجازات المرضية يبلغ 4.6 يوم لكل موظف، بحسب معلومات سجلات الحكومة التركية المسندة لتقارير البنك الدولي.
وبلغ عدد خريجي تركيا كل عام نحو 500 ألف خريج جامعي مؤهل في جميع التخصصات، و663 ألف خريج ثانوي، ثلثهم من المدارس المهنية والفنية، وجميعهم يتخرج بنفس مقاييس السوق الأوروبية التي تطمح تركيا لاختراقها في الأعوام المقبلة.
بينما جاء توفير الكفاءات الاقتصادية في الإدارة ثانيًا في قائمة الخيارات، وحملت ميزة زيادة إيرادات الدولة إذا نجحت الخطة، ولكنها تحتاج إلى تغيير فكر الإدارة، حتى إنهم جذبوا العقول الاقتصادية من دول أخرى خارج تركيا مثلما فعلت الإمارات.
أما الخيار الثالث «البنية التحتية»، فإنه اعتمد إنشاء مصانع جديدة تدفع الاقتصاد إلى الأمام، وزيادة عدد المصانع من 3000 مصنع إلى أكثر من 30 ألف مصنع تغطى مجالات تصنيع السيارات والملابس والمواد الغذائية والكيماويات والأجهزة الكهربائية.
والخيار الرابع والأخير حوافز الضرائب المنخفضة من ضمنها: «حوافز ضريبية، وغير ضريبة، وحوافز موجهة لصناعات معينة»، منها مثلا حوافز لصناعة السينما، مما شجع إنتاج الأفلام التركية وغير التركية.
بناء على ذلك قررت القيـادة العليـا في تركيا وضع خطة طموحة لنمو صادراتها من 150 دولار (سنة 2015) إلى 350 مليار دولار (2023) في القطاعات التالية: «150 مليار دولار لتصنيع المعدات، و75 مليار دولار لصناعة السيارات، و50 مليار دولار للمنتجات الكيميائية، و45 مليار دولار للإلكترونيات، و36 مليار دولار للملابس الجاهزة وتصنيع الأثاث».
فالسفراء في تركيا يحصلون على الترقية عندما يتميزون في العمل الاقتصادي لتشجيع تنمية صادرات تركيا، ليس لعملهم السياسي مثلما يقاس معظم السفراء المصريين.
من هنا كان السر في تطور تركيا بهذه الصورة «المخيفة»، وفتح الإنتاج التركي أبواب أسواق أوروبا، بالإضافة إلى 180 دولة أخرى في كل أنحاء العالم، ووصلت إيرادات الحكومة بها اليوم حوالي 200 مليار دولار سنويا، أي أربعة أضعاف ما تحققه مصر.