x

أيمن الجندي هل يدعو القرآن للعنف؟ (1) أيمن الجندي الأحد 20-12-2015 21:24


الآفة كلها تحدث عندما تسلط الضوء على رابعا وتتجاهل ـ بجهل أو بسوء طوية - ما حدث أولاً وثانيا وثالثا.

أنت تسير مع ابنتك فى الطريق. يغمرك الود والمشاعر الأبوية. فجأة يغازلها شاب عابث. تتجاهله علّه ينصرف. هذه هى أولا.

الغزل تحول لبذىء القول. تتضايق. لكنك تكتفى بنظرة لائمة طويلة. هذه ثانيا.

الشاب العابث يلاحقكما فى الطريق، غير آبه لوجودك. تقف وتأمره أن يحترم نفسه وينصرف. هذه ثالثا.

لكن الاستهتار يبلغ به حد أن يتحسس جسدها أمام عينيك. حينئذ يفور الدم فى عروقك. تدفعه عنها. ولكنه يوجه لك لكمة. وقتئذ يجن جنونك فتنهال عليه ضربا. أنت بقوة الحق تنتصر على باطله. الشاب ينهزم تماما تحت وطأة ضرباتك. كانت هذه هى رابعا التى سلطوا عليها الضوء. نسوا المراحل الثلاث الأولى. نسوا صبرك ونبل تحملك. ولم يتذكروا إلا أنه الآن مجندل على الأرض وأنت جاثم فوقه تنهال عليه بضرباتك!

ثم إنهم أهملوا أيضا خامسا وسادسا وسابعا.

عندما وجدته قد كف عن المقاومة فإنك تركته. ما كان أسهل أن توجه له ركلة فى بطنه على سبيل الانتقام، لكنك لم تفعل. هذه خامسا.

وفى اليوم التالى شاهدته فى الطريق يمشى منكسرا، فلم تذهب إليه لتضربه مرة أخرى وإنما مضيت فى طريقك طالما كف أذاه عنك. هذه سادسا.

بعد شهور مات أبوه. لم تمنعك الإحن القديمة أن تذهب إليه معزيا. هذه سابعا.

هذا المثال السابق ينطبق بحذافيره على ما حدث فى عهد الرسول الذى مكث ثلاثة عشر سنة يتآلف قومه ويتحبب إليهم؟ يدعوهم إلى مكارم الأخلاق ونبذ الأصنام وعبادة الله الواحد. لم يلق منهم إلا الإيذاء وتعذيب القلة التى آمنت بدعوته حتى اضطروه إلى الهجرة من بلده التى هى أحب البلاد إليه. وكلما استصرخه أتباعه أن يردوا الاعتداء أمرهم بالصبر. هذه هى أولا التى دامت ثلاثة عشر عاما كاملة.

بعد هجرته لم يتركه المشركون فى حاله. نشبت الحرب بينهم فى بدر، فجاء الأمر بمشروعية دفع الاعتداء، « أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقدِير»، ولكنه يقيّده بعدم التعدى مع تفضيل الصبر:«وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ». هذه ثانيا.

بعدها اقترب المشركون من المدينة حتى وصلوا إلى حدود جبل أحد، ومع ذلك جاء أمر القتال مشروطا بعدم الاعتداء:

« وَقَاتِلُواْ فِى سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ». هذه ثالثا.

أما رابعا فقد تآلبت القبائل أولا عن آخر على حرب استئصال للمسلمين. حرب وجودية فى الخندق لا تبقى ولا تذر، فجاء الأمر بقتال المشركين كافة كما يقاتلونهم كافة:

«وقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً».

كانت هذه هى رابعا التى يسلطون عليها الضوء ليل نهار. ويزعمون أنها الإسلام. استئصال للوجود وإكراه على اعتناق الدين. فلو كان ذلك صحيحا فلماذا بقى أهل الكتاب فى بلاد الإسلام حتى عصرنا الراهن؟ بل حتى اليزيديون والصابئة وغيرهم من الأقليات، ما الذى منع دولة الخلافة فى بغداد أن تستأصلهم وهم فى قبضتها؟ هل كانت هناك وقتها أمم متحدة أو منظمات حقوق إنسان أو دول غربية تحمى هذه الأقليات؟ أم أن الحماية كانت من الإسلام نفسه؟

انتهت مساحة المقال وأواصل غداً إن شاء الله.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية