قد يبدو السؤال غريباً، لأن مصر فى حالة حرب مع «داعش» وكافة العناصر الإرهابية الأخرى، فهى فى حالة قتالية مستمرة بطول مصر وعرضها، وهى كذلك لم تتوانَ عن توجيه ضربة جوية لهذه المنظمة البربرية عندما قامت بذبح 21 مصريا فى ليبيا.
ولكن السؤال الآن ينطبق على إنهاء وجود حالة «دولة الخلافة» المزعومة بين سوريا والعراق، وتحرير المدن العربية الواقعة تحت سيطرتها من الرمادى إلى الرقة إلى الموصل، من خلال عملية عسكرية واسعة متعددة الأطراف، فكل الظواهر تقول الآن إن المجتمعين الدولى والإقليمى قد اتخذا قراراً بتصفية هذه القاعدة للحركات الإرهابية، بعد أن بات تأثيرها ممتداً من منطقة «الشام» فى المشرق العربى حتى باكستان وأفغانستان فى شمال شبه القارة الهندية حتى كاليفورنيا فى أمريكا الشمالية. والحقيقة أنه لم تسلم منطقة فى العالم من تواجد أو آخر لداعش سواء بعمل إرهابى مباشر، أو من خلال التلاعب بالعقول والأفئدة للمراهقين والمغامرين والأصوليين الإسلاميين من كل نوع.
قرار آخر، وهو أنه بينما سوف تشارك كل القوى الكبرى فى هذه المعارك بوسائل متعددة، فى مقدمتها السلاح الجوى والاستخبارات وعناصر الاستطلاع المختلفة، شاملة الأقمار الصناعية والمراقبة الجوية، والتدمير المستمر لقيادات داعش كلما كان ذلك ممكنا، وتحرير بعض أطرافها بمساندة قوات كردية كما جرى فى «سنجار»، فإن واقعة التحرير الكامل، (خاصة للرقة والموصل)، ينبغى أن تكون بقوات عربية وإسلامية. هناك أسباب لذلك، فأمريكا قامت بالفعل، وعلى مدى العقد ونصف العقد الماضيين بالقتال المباشر ضد القاعدة وطالبان وداعش، وكذلك فعلت فرنسا وروسيا وبريطانيا، ولكن المعركة الجديدة باتت أشبه بمعركة تحرير الكويت من الغزو العراقى عندما تقدمت القوات المصرية والسعودية والكويتية لفتح المدينة.
كانت المسألة فيها الكثير من الرمزية المهمة، فإن مدينة عربية وإسلامية لا ينبغى أن تحررها قوات أجنبية، وإنما يكون ذلك بيد العرب والمسلمين. هذه المرة فإن المسألة أجدى، فالمصيبة- وربما «العار» كذلك- هما مصيبة وعار المسلمين، فقرابة 95% من القتلى والجرحى والنازحين واللاجئين بطول العالم الإسلامى نتيجة الهجمات والحروب الإرهابية كانوا من المسلمين.
وما لا يقل عن ذلك أهمية أن جرائم «داعش»- والقاعدة من قبلها، والإخوان وكافة تفريعاتهم قبل كل هؤلاء- تم ارتكابها باسم الإسلام، ولتحقيق هدف أخرق، وهو إقامة الخلافة الإسلامية مرة أخرى، وكأنه من الممكن للإيطاليين الدعوة إلى عودة الإمبراطورية الرومانية، أو يطالب النمساويون بعودة الإمبراطورية النمساوية المجرية، أو الألمان بعودة الرايخ الثالث، أو اليابان بالمجال الحيوى الآسيوى.
القرار الثالث المرتبط بكلا القرارين السابقين أن المعركة الرئيسية هى مع «داعش» ودولتها، ومادام الأمر كذلك، فإن كل مسارح العمليات العسكرية الأخرى لابد لها أن تهدأ أو تصل إلى تسوية. ومن هنا كان وقف إطلاق النار فى اليمن، مع تبادل الأسرى، والتوقيع على اتفاق لتسوية الأزمة الليبية فى الصخيرات. وبالطبع فإن أياً من ذلك لا يعنى أن السلام فى اليمن وليبيا قريب، وإنما يعنى أن طريقاً له تم وضعه، من أجل التركيز على ما هو استراتيجى ويلقى بظلاله على كل الصراعات فى المنطقة سواء من حيث الاشتباك المباشر، أو التمويل، أو الدعاية والتجنيد.
كل الشواهد تقول إن مصر مطالَبة بالمشاركة فى هذه العمليات العسكرية القادمة، بل إنها قيلت صراحة فى أروقة الكونجرس الأمريكى، وعلى لسان المرشحين للرئاسة فى الولايات المتحدة، كما أنه يمكن سماعها من قِبَل مسؤولين وغير مسؤولين عرب. ثلاثة محفزات ظهرت لكى تشارك مصر مباشرة فى المعركة القادمة: الاتفاقات الأخيرة التى قدمتها السعودية إلى مصر، لمساندة اقتصادها ودعم عملتها وشراء الدَّيْن العام والاستثمار الواسع، إعلان فلاديمير بوتين عن قرب عودة السياحة الروسية إلى مصر فور توفير التأمين اللازم للطائرات، وإعلان بريطانيا، فى تقريرها عن نشاطات جماعة الإخوان، أن عضوية الجماعة تُعد مؤشرا ممكنا للتطرف، وأن هناك صلات قائمة بين فروع الجماعة و«التطرف العنيف»، فإذا كانت هذه الدعوة قائمة وملحة، فإنها سوف تستوجب قرارا من القيادة المصرية، التى لابد أنها تعرف أربعة أمور معرفة جيدة، أولها: أن علاقات الدول تقوم على المصالح المتبادلة، فإذا كان هناك «أخذ» فإن مقابله عطاء، وثانيها: أنه ليس مقبولا فى قرارات الحرب أن تكون هناك مقايضة بين «بنك الدم» المصرى و«بنك المال» أو الفائدة، أيا كان مصدره، وثالثها: أن النصر على «داعش» يقضى على جذور الإرهاب فى سيناء، وما بعدها يكون تفاصيل، ورابعها: أن تواجد مصر فى هذه المعركة- مضافة إلى المعارك التى تخوضها بالفعل من أجل مصر والعرب والإسلام والإنسانية- له ثمن كبير، ولكن عدم تواجدها سوف يكون له ثمن كبير أيضا ليس محسوبا بعملات المال، وإنما بعملات التأثير والمكانة. الأرجح أن هذا القرار سوف يكون أخطر القرارات التى سيتخذها الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال فترة رئاسته الأولى!