منذ عدة سنوات وخلال حضوري لمؤتمر عن ثقافة الإبداع، قام أحد السادة الحضور للتعبير عن رأيه في قضية ما وقال «أن الحل الوحيد في نظري هو .....» وأكمل ما كان يقول، ولم تكن سمة مشكلة فيما طرحه من رأي، إلا مقدمة ما قال «الحل الوحيد» إذ يوجد تناقض بالغ الخطورة بين كلمة «الوحيد» والتفكير الإبداعي، فالمبدع ينطلق في رؤيته من وجود مشكلة قائمة بالواقع، ومن ثم يتعامل معها عن طريق دراستها من كافة الجوانب، ودراسة المناهج التي تستطيع أن تتعامل مع المشكلة القائمة. فلا يوجد ما يسمي الحل الوحيد أو الرأي المطلق أو الزعيم الملهم أو الرأي غير القابل للنقاش.
وحينما تنجح فكرة ما، لا يرتاح المبدع أو يهدأ، فالإبداع ما هو إلا حالة من القلق الدائم، وسعي دائم نحو الأفضل، ولكنه لا يقنع بالأفضل بل يظل يفند ويحلل حتى يجد مجالاً للتحسين والتجويد.
لا يقبل المبدع الإجابات الدائمة ولا الثبات بل يؤمن بالصيرورة والتغيير وخلق معطيات جديدة تغير الواقع نحو الأفضل. ولذا فالمبدع يعي الواقع جيداً، ومن ثم يستطيع أن يطرح الأسئلة المنطقية التي تستطيع خدمة الواقع الحالي.
المبدع لا يخشي المنافسة مع الآخرين، هو يكاد لا يهتم بوجودهم، المبدع يتنافس مع المجال الذي يبدع فيه، وتزداد الحرية لديه كلما تعمق في مجاله، ويعطي وقته وماله وجهده لما يقوم بيه، كبار العلماء والمفكرين والقادة والفلاسفة ينصب جل اهتمامهم على أن يعكفوا على عملهم وليس ما يقوم بيه الآخرين.
لن نستطيع المضي قُدماً نحو المستقبل دون أن نتسربل بالإبداع، فالإبداع هو الطريق الوحيد لتخطي الواقع، ومن الواضح للعيان مدي صعوبة المشاكل الآنية التي تعاني منها مصر. ومن أبرزها ظاهرة الإجابات الحدية والمطلقة على كثير من الأمور النسبية، فالأمور النسبية ينبغي وأن نتعامل معها بكثير من التفصيل والتحليل حتى نصل إلى ما يقربنا من منهج علمي وفلسفي في شرح كثير من القضايا العالقة والتي مرشحة أن تظل كذلك.
وجود إجابات مطلقة وفوقية ومركزية في حل مشاكل الواقع المصري لن تصل بنا إلى المستقبل. وسوف نضطر لقبول خطط يقوم بها الآخرين وسوف يحددوا لنا كيف يكون شكل الحياة لأنهم يمتلكوا أدوات لم نملكها بعد، من يبدع يستطيع أن يغير الواقع وما فيه، وينطلق نحو المستقبل، إذ انه يصنعه بيديه، ومن يظل أسير السكون والتقليد والأفكار المعلبة سوف يقبع في مكانه ثم ينحدر نحو الهاوية.
يقول لنا الشاعر والفيلسوف الهولندي كريجارد سورين (1813-1855) «توجد طريقتان لخداع الذات، أولهما أن تصدق ما ليس حقيقياً والثانية أن ترفض ما هو حقيقي» فعلينا أن نري الحقيقة كما هي، فالتقدم لابد وحتماً أن يبدأ من خلال الإبداع، فهل لدينا تعليم يسمح بتطور العقل واستخدام التفكير النقدي حتى يتخرج طالب مصري قادر على التعامل مع الواقع الآني والقادم، ويتحرر من أسر الأفكار«المطلقة»، التي لا يستطيع أن يطبق قواعد التفكير النقدي حين يتعامل معها، لا توجد أفكار مطلقة أو أشخاص مقدسة أو زعماء ملهمة في المجتمعات التي ترعي الإبداع وتشجع ظهور المبدعين.
شريف رزق
[email protected]